هذا الحديث دليل على أن من أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح لا نقص فيه ، ولا إثم عليه ؛ إذ لا قصد له في ذلك ولا إرادة ، بل هو رزق ساقه الله إليه ، ولهذا أضاف إطعامه وسقيه إلى الله تعالى .
وما يكون مضافاً إلى الله تعالى لا يؤاخذ عليه العبد ؛ لأنه إنما يُنهى عن فعله ، والأفعال التي ليست اختيارية لا تدخل تحت التكليف ، ولا فرق بين الأكل والشرب القليل والكثير لعموم الحديث .
وليس عليه قضاء لأنه أُمر بالإتمام وسما الذي يُتَمَ صوماً ، فدل على أنه صائم حقيقة .
وصحة صوم من أكل أو شرب ناسياً وكونه لا قضاء عليه أمر مجمع عليه ، لولا خلاف الإمام مالك وابن أبي ليلى ...
ويقاس على الأكل والشرب بقية المفطرات ؛ لحديث أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة " أخرجه ابن حبان 8/288 والحاكم 1/430 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 6070 .
وهذا الحكم في الصائم فرد من أفراد القاعدة العظيمة العامة في قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقد صح في الحديث الشريف أن الله تعالى قال إجابة لهذا الدعاء : " قد فعلت " وفي رواية " قال : نعم " .
وهذا من لطف الله تعالى بعباده والتيسير عليهم ورفع الحرج والمشقة عنهم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز لي عن أمني الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
وهنا مسألة مهمة وهي :
ماذا لو رأيت صائماً يأكل أو يشرب ناسياً فهل علي تذكيره ؟
والجواب :
من رأى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً وجب عليه إعلامه وتذكيره ؛ لأن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والأكل والشرب في نهار رمضان منكر والناسي معذور ، فوجب إعلامه في الحال .
· ومن اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء إلى حلقه بلا قصد لم يَفْسُد صومه .. وكذا لو طار إلى حلقه ذباب أو غبار من طريق أو دقيق أو نحو ذلك .. أو وصل البنـزين إلى حلقه بغير اختيار لم يفسد صومه ؛ لعدم إمكان التحرز من ذلك ، لأنه لا قصد له ولا إرادة ، فهو كالناسي في ترك العمد وسلب الاختيار ، ولهذا قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : " باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً " .
ثم قال :
وقال عطاء : إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك . ( أي بدون قصد ، أما لو استطاع دفع الماء ولم يدفعه وبلعه أفطر ) .