موضوع: المعذبون في الأرض !! السبت 11 أغسطس 2012, 2:12 am
يسكنون الدكاكين .. وينامون متلاصقين و يُـنـجبـون أيـضا .. ؟؟!!
يَحْيَوْنَ في الهامش .. يتجرعون آلام ومعاناة المعيشة المرة .. وهم – في الغالب – عبارة عن أسر ضاقت بها الشقق والمساكن المفترضة، بفعل قسوة الظروف الاقتصادية ، والوقوع تحت طائلة فقر مستدام ، فاضطروا للسكن في دكاكين صغيرة لا تحتوي إلا على بعض الأثاث الهش وربما حمامات صغيرة لا يأمنون روائحها، ولاحشراتها التي تشاركهم كل شيء .. كما لا تحتوي هذه الدكاكين حتى على نافذة ضوء ، ولا تُُراعى فيها خصوصيات ، ولايشعر أحد فيها باستقلاليته .. وفوق كل هذا فإن هذا النوع من السكن يتكون أفراده من كم هائل من الأبناء وزوجين ، وربما يشاركهم فرد آخر من العائلة السكن في مدفن أو قبر لا تزيد مساحته عن بضعة أمتار..! الأسرة والتنمية رصدت قصص ومعاناة الساكنين في تلك الدكاكين .. فإلى تفاصيل أوجاعهم ..
لا نجرؤ على استقبال أحد كان أول لقاءاتنا مع "الخالة أم حاميم " الساكنة في منطقة عصيفرة بدكان بالإيجار ، والتي تعيش مع أبنائها الستة وزوجها وطفلة ابنتها الرضيعة، وتعاني شظف العيش ومرارته بعد أن تركت هي وزوجها قريتها قبل 12عاماً بحثاً عن المدينة ورفاهيتها المزعومة التي زادتها فيها معاناة وهماً.. تقول أم حاميم : كنت أعيش مع زوجي وأولادي بالقرية ، وكان زوجي يذهب إلى المدينة للعمل ثم يعود إلى القرية .. وكنت أعاني من مرض مزمن ، فقررنا الذهاب إلى المدينة لنسكن فيها ، وقمنا باستئجار دكان صغير بالكاد يسعنا أنا وزوجي وبناتي الثلاث وأولادي الثلاثة ، وأصغر أولادي الآن يبلغ من العمر 12 عاماً ..
أثناء حديثنا معها شدت انتباهنا إحدى بناتها التي كانت لا تتكلم ، فسألناها عن سبب ذلك ، فقالت أنها تعاني من ضمور بالدماغ ، وهي لا تسمع ولا تتكلم .. عن ذلك المرض الذي أصابها تتحدث : أصابها المرض وهي في سن الثانية تقريباً ، حاولنا علاجها ، لكننا لم نتمكن من ذلك ، وأخبرنا الأطباء أن المرض قد يكون وراثياً ، فزوجي قريب لوالدتي .. وتضيف : زوجي يعمل في البناء ، وأحياناً أخرى يعمل حمالاً ، حسب العمل المتوفر .. كذلك أبنائي يقومون بمساعدة والدهم لتوفير لقمة العيش ودفع الإيجار .. أما بخصوص علاقتهم الاجتماعية فهي مقطوعة تماماً .. عن ذلك تقول : علاقتنا بالأسرة والأقارب منعدمة تماماً ، وذلك لعدم استطاعتنا استقبال أي أحد من الأقارب ، لأننا نسكن في دكان .. ، أما عن المضايقات التي نلاقيها كوننا نسكن دكاناً فحدَّث ولا حرج ، فالبنات الشابات لا يستطعن التحرك بحرية في الدكان الشبيه بالسجن ، كما أنه لا يحتوي على نافذة تقيهن الحر ..
على قد الحال ! حالة ( ر . م . ح ) تكاد تكون أشد قهراً وظلماً اجتماعياً بسبب الظروف التي أحاطت بها .. فهي امرأة وحيدة لديها خمسة أبناء ، يعيشون في دكان أشبه بالمدفن ، مساحته لا تزيد عن خمسة أمتار ، وما يزيد من المرارة أنها تعيش بالقرب من المباني الجميلة والفلل الفخمة التي قد تكون أغلب غرفها فارغة ، بينما تسكن هي وأولادها دكاناً صغيراً لايحتوي حتى على نافذة واحدة ، ويأكلون على الأغلب " الخبز الجاف " وبرضا دون تذمر ، وبحسب قولها " على قد الحال " فيا لظلم القدر وبخل المجتمع ..!!
( ر. م . ح ) رفضت ذكر اسمها خوفاً على مشاعر أبنائها ، ونزولاً عند رغبتها فقد اكتفينا بالرمز إلى اسمها فقط .. تسرد لنا قصتها المؤلمة قائلة : كنت أعيش بشقة مستورة الحال أنا وزوجي وأبنائي الخمسة وابنتي ، وكان عمل زوجي " جندياً " فتحول عمله إلى مدينة عدن ، ثم تزوجت ابنتي ، وكانت تبلغ من العمر 16عاماً .. وبعد فترة أصيب زوجي بحالة نفسية وعصبية لا نعلم سببها ، وقبل خمس سنوات تركني أنا وأولادي وهرب ، وحينها لم أستطع دفع إيجار الشقة ، فاضطررت للذهاب إلى منزل والدتي ، خصوصاً بعد أن كان يأخذ راتبه كاملاً ويصرفه على القات والسيجارة .. حاولت أن أتقدم إلى الجهات المعنية لإحالة راتبه لأبنائه ، ولكن دون جدوى .. عشت في منزل والدتي قرابة الشهرين فقط ، ثم قمت باستئجار دكان ليأويني وأولادي ، لأنها لم تتركني بحالي ، فقد كانت تلح عليّ بأن أترك أولادي لأبيهم ، ولم أستطع فعل ذلك كون حالته ازدادت سوءاً وأصبح مجنوناً.. وتضيف : الآن أعيش أنا وأولادي على ما يجود به فاعلو الخير ، وأستدين مبلغاً من المال لأشتري به البيض لابني حتى يبيعه ، أما أكبر أبنائي فهو يعيش في مدينة إب بحثاً عن الرزق ، وابني الذي يبلغ من العمر19عاماً يعمل على درجة نارية لأحد الأشخاص ، ويوفر من عمله بالدراجة 200- 300 ريالاً باليوم ، بالكاد تكفي لسد جوعنا ، أما أنا فأعمل بتنظيف منزل إحدى المدرسات براتب " 7 " ألف ريال أدفعه إيجار الدكان الذي نعيش فيه .
حزينة على أولادي
إضافة إلى ما تعانيه هذه السيدة فإن القدر لم يرحمها أيضاً من ابتلاء أصغر أبنائها بمرض "ورم الدماغ " إذ لا بد من تعاطيه علاجاً باستمرار ، وأن يشرف على علاجه أطباء ، لكنها اكتفت بإعطائه العلاج لعدم قدرتها على الباقي .. وتؤكد"ر. م . ح" التي أنهكها قهر الزمن : أرغب أن أربي أولادي أفضل تربية ، وأنا حريصة على مواصلة تعليمهم بقدر ما أستطيع ، والحمد لله فنتائج امتحاناتهم ممتازة .. وتختتم وقد غمرت الدموع عينيها : أشعر بالحزن على أولادي فهم لا يعيشون كما يعيش أبناء حارتهم ، ودائماً ما يلاقون مضايقات وكلاماً جارحاً ، لأنهم يعيشون فقراء وبلا أب . ننام متلاصقين ! "الخالة فاطمة ".. تعيش هي وأحفادها الستة ووالدهم دكاناً صغيراً مليئاً بالعبوات البلاستيكية الفارغة التي يقوم رب الأسرة وأولاده بجمعها حتى تكفيهم حاجة الناس .. تقول الحاجة فاطمة : أنا أعيش مع ابني وأولاده في هذا الدكان ، وقد أتيت لأعيش مع أحفادي بعد أن طلق ولدي زوجته بسبب خلافاته الدائمة معها .. وتضيف : معيشتنا في هذا الدكان الصغير تضايقنا وتجعلنا لا نشعر بالراحة ، فنحن نكاد نكون ملتصقين ببعض من ضيق المكان .. وتواصل حديثها قائلة : ابني يعود من عمله منهكاً ، لا يقوى حتى على الاهتمام بأبنائه ، فهو يخرج الصباح باكراً ، ولا يعود إلا عند العشاء ليتمكن من جمع أكبر قدر ممكن من " القوارير " البلاستيكية حتى نعيش بثمنها .. وفي أغلب الأوقات أترك الأولاد الثلاثة يذهبون لجمع القوارير ، وأظل في الدكان أنا والبنات .. خصوصية غير مصانة ..!! إحدى فتيات الأسرة في مقتبل العمر تتمنى -حد قولها - أن تعيش كباقي البنات بحرية دون أن تخجل من تصرفاتها أمام إخوتها ووالدها ، لأن خصوصياتها غير مصانة ، فهي لا تكاد تحصل سوى على " مكان " تنام فيه . أرملة وأيتام.. ومضايقات !! الأخت " أم محمد " - توفى زوجها منذ سنتين - تسكن هي وأبناؤها الثلاثة أكبرهم 8 سنوات في دكان أبوابه مقفلة دائماً كونها أرملة وتخاف على نفسها وأولادها .. تقول أم محمد : نسكن بهذا الدكان بعد أن توفى زوجي الذي كان يعمل ببيع القات ، وكنا نسكن بشقة متواضعة مستوري الحال ، وبعد وفاته تركت الشقة ، واستأجرت دكاناً إيجاره الشهري "11" ألف ريال .. وتضيف : لا مصدر رزق لي سوى ما يجود به أهل الخير ، أما إيجار الدكان فأدفعه مما أحصل عليه من زكاة وصدقة رمضان الكريم التي أقسمها لتكفي لدفع إيجار الدكان طوال العام . وبنهدة قوية تضيف : لا أستطيع السكن عند والدي في القرية ، بعد ما تزوج بامرأة أخرى بعد وفاة والدتي ، ولديه أطفال صغار، كما أن حالته المادية صعبة جداً .. أما عن المضايقات التي تعاني منها فتقول : كوني أسكن في دكان على شارع عام فأنا لا أستطيع حتى فتح جزء من الباب، وأكاد عندما أطبخ أشعر بالاختناق خصوصاً في فصل الصيف . دكان وعربية .. ولا الحاجة ..! "الحاج قاسم " لا يملك سوى " عربية " يحمل عليها احتياجات الناس كمصدر رزق وحيد ، ويدفع إيجار دكان لا يحتوى إلا على حمام صغير مبلغ " 10" آلاف ريال شهرياً ، يعيش مع زوجته ، ولديه ولد وبنت فقط .. وقد اكتفى بإنجاب طفلين لوعيه بضرورة تحديد النسل ، وبالذات لشخص في مثل ظروفه..-حسب قوله-.. ويضيف : أعيش في هذا الدكان ، و مصدر رزقي الوحيد " العربية " التي أعمل عليها لأوفر لقمة العيش وإيجار الدكان الذي يتوفر معنا بشق النفس ، وأحياناً يتراكم عدة أشهر فلا أستطيع الدفع ، واضطر للاستدانة ، وهكذا أمشي حياتي .. إلى جانب ذلك تسكن معه في نفس الدكان " عمته " والدة زوجته منذ سبعة أشهر لتتلقى العلاج ، فهي لا تستطيع الحركة بسبب تعرضها لكسر في إحدى ساقيها .. شاءت الأقدار أن يتحمل هذا الرجل علاج " عمته " التي تحتاج إلى رعاية طبية كاملة ، ورغم الظروف المحيطة به إلا أنه دائم الحمد على حياته ، ويتمنى أن يعيش مستوراً دون الحاجة للناس . نشعر بالإحراج..! أما عائلة (س.ع.ص) ، المكونة من أب وأم وثلاث بنات وثلاثة أبناء ، لم تكن أحسن حالاً من سابقيها .. تقول " أم صلاح " :نعيش في هذا الدكان رغم صعوبة العيش فيه وكثرة الأبناء ، لكن زوجي هو مَنْ يُُصر على السكن في دكان ، ولا يريد دفع مبلغ أكبر للمنزل ، رغم أنه يعمل في بيع القات ويملك " سيارة " تفيده في تنقله ..وتضيف : في هذا الدكان لا نشعر بأريحية في التعامل ، ومن المفروض أن يكون لأبنائي وبناتي غرفة خاصة بهم بعيداً عني وعن والدهم ، ولكن الظروف واستهتار زوجي، تجبرنا أن نسكن في هكذا مكان.. وتواصل قائلة : أكبر بناتي البالغة من العمر 16عاماً ذهبت لتعيش في منزل عمها لعدم تحملها العيش هنا ، فهي تشعر بالإحراج ، لأنها كبرت ، وترغب بأن تكون لها غرفة مستقلة تعيش بها بعيداً عن عيوننا .
أسرة تسكن تاكسي..! "أسرة إبراهيم علي الصنعاني ".. تعيش في سيارة..! هذا ما لم نكن نتوقع أن نجده أثناء هذا الاستطلاع .. فقد أخبرتني إحدى صديقاتي أن هناك أسرة تسكن داخل سيارة في منطقة الحوبان، وبالفعل ذهبنا إلى المكان ، ووجدنا أسرة تتكون من سبعة أطفال ووالديهما يعيشون داخل سيارة تاكسي في الطريق العام ، والحمام عبارة عن (طربال) وأعواد من الخشب على شكل ستارة.. في البداية رفض الأب الحديث معنا وطلب منا مغادرة المكان ، وعدم التصوير ، ثم تجاذبنا أطراف الحديث ، وبعد أن استأنس بنا أخبرنا أنه من محافظة صنعاء ، وأنه ترك سكنه هناك منذ سنوات بسبب قسوة الناس فيها ،وقال أن أصحاب تعز قلوبهم طيبة ورحيمة أكثر.. عندما كان يتحدث و يحمد الله على هذه العيشة كان كلامه موحياً وكأنه يعيش في قصر، فهو راضٍ بحياته تلك كل الرضا .. وحين سألنا: ألا تحلم بأن تسكن في منزل ؟ قال : إذا أراد الله ..! وحين رأينا أصغر الأطفال- عمره حوالي سنة ونصف- سألناه : أين ولد هذا الطفل ؟ فقال: (هانا) داخل السيارة، وقد قمت بعمل اللازم وتوليد زوجتي ، وغسله.. وعن كيفية النوم داخل السيارة ، قال : الولدان الكبيران ينامان في شنطة السيارة ، فيما تنام الأم مع طفلها الصغير وابنتانا في المقعد الخلفي ، وأنا والولدان الصغيران في المقعد الأمامي ، والحمد والشكر لله رب العالمين ، نحن في نعمة أحسن من غيرنا..وعن عمله يقول إبراهيم أنه يعمل في جمع العلب البلاستيكية وأعمال أخرى ، كحمل البضائع وغيرها ، ويساعده في المصاريف ولده الذي يعمل فرَّاشاً في مكتب الضرائب .. وبحسب ما يقول : أهم شيء ندبر مصروفنا اليومي وكل يوم له رزقه .. مؤكداً أنهم في أيام الشتاء والبرد القارس : يجتمعون كلهم داخل السيارة ، ويسمرون ويسمعون أغانٍ من الـ "mb3 " ..! ولما سألناه هل تسع السيارة الجميع ؟ أجاب : نعم هذه السيارة تستوعبنا كما يستوعب رحم الأم الأبناء . وللنازحين نصيب ..! وفي عدن والتي أصبحت في الآونة الأخيرة ملجأ يكتظ بالنازحين الآتين من أبين نتيجة الحرب فيها، فقد اختار البعض المدارس ليسكن بها، والبعض الآخر ذهب للاستئجار في المناطق العشوائية، كالعريش ، والبساتين ، والممدارة ، بمبالغ بسيطة ، وهناك من فضل السكن بدكان ليأوي نفسه وأسرته.. أبو "عبدالله "أحد النازحين ، بحث طويلا عن مكان يضم فيه أسرته ،فالمدارس ازدحمت ، والمدينة امتلأت ، وإيجار المنازل ارتفعت ، وبعد أن كاد اليأس يهجم عليه ، ووحشة العراء أوشكت على التهام أفراد أسرته ، وبعد عناء طويل ، دلَّه أحد الساكنين في عدن على فكرة العيش بدكان إلى أن يجد منزلا مناسبا لهم وبسعر يتناسب مع دخلهم. ظروف الحرب ..! "أبو عبدالله " .. أب لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم مابين 6- 15 عاماً - ، ويدرسون في المرحلة الأساسية ، لكن ظروف مدينتهم منعتهم من إكمال دراستهم ،عندما كان أبو عبد الله في أبين كان يعتمد في دخله على مهنة الصيد ، ويساعده في ذلك ولده الأكبر عبدالله ، ذو الخمسة عشر ربيعا ، والذي بدأ يعمل عملا جديدا بالأجر اليومي منذ أن نزح إلى عدن،إذ لم يمنعه صغر عمره وجسمه النحيل عن القيام بتحميل مشتقات البناء ، ثم الاتجاه بعدها إلى الحافلات التي تنقل الناس كمحاسب ، وبين مهنة وأخرى خدشت المسؤولية المبكرة براءة عبدالله ، والذي بسببها لم يعد يفكر بمواصلة دراسته في عدن ، ويعلل ذلك بالقول :ما فيش وقت للمذاكرة ، الشغل كثير وأنا الولد الوحيد ، لازم أساعد أبي ، من أين لنا إيجار الدكان، وحق الكهرباء، والماء، وحق كل المطالب الأخرى ؟؟. نظرة استنقاص في منزلهم المتواضع -والذي لا تتوفر فيه مقومات المنزل المريح - والمكون من حمام وغرفة واحدة بداخلها ستة فُُرشن ودولاب صغير ، ودبة غاز، وشولة ، وأواعي مطبخ بسيطة ، وكرتون ممتلئ بأغراض لم نعرف ما هي؟.. في هذه الغرفة كانت أم عبدالله تقبع مع بناتها الصغيرات ،وتقول شاكية ظروف معيشتهم : " ما فيش معنا مطبخ ، بهذه الغرفة نطبخ ، وننام ، ونأكل ، نحن متضايقون لكن أيش نفعل ؟ أحسن من الجلسة بالمدارس .. وعن أبرز المضايقات التي حدثت لهم قالت: الناس هنا ينظرون لنا نظرة استنقاص لدرجة أن لا أحد من الجيران فكر بزيارتنا ، ودائما ما يسب أولاد الحارة التي نسكن بها أطفالي ، وهذا شيء يزعجني ويؤلمني كثيرا.. انتهاكات صاحب الدكان ! لكن " أبو عبدالله " لا يرى أفظع من انتهاكات صاحب الدكان عند تأخره بدفع إيجاره ، مؤكداً: باستمرار يشتمنا ، ويبهذلنا ، ويهدد بطردنا ، وإحنا بانشقي طوال اليوم عشان نوفر الإيجار ، أما اللقمة قد فاعلين الخير كثير ، نلاقي راشان وأشياء أخرى ، لكن ساعات نضطر نبيعها عشان نوفر الإيجار.
إيجار منخفض ..! أما طاهر .. فقد قذفته الظروف ليسكن في أحد أحياء منطقة الشيخ عثمان القديمة بمنزل مكون من غرفة وحمام ، وملحق صغير لا يتجاوز طوله المترين ، وعرضه كذلك ، قام بتجهيزه هو وزوجته ليكون مطبخا لهم ، وكان هذا المنزل في السابق دكانا للمواد الغذائية .. يقول طاهر - الجندي البسيط 28 عاماً - إن راتبه لا يكفي لكل احتياجات المنزل من إيجار وفواتير وأشياء أخرى .. مضيفاً : في الأشهر القادمة سنستقبل مولودنا الأول أنا وزوجتي ، وهو الآخر سيحتاج إلى ميزانية .. وعن اختياره للعيش في هذا المنزل(الدكان سابقا) قال:الظروف دفعتنا إلى استئجاره بـ 12 ألفاً ، و طبعا هو إيجار منخفض مقارنة ببعض المنازل التي تصل إلى"30 و40 " ألف. زوجة طاهر هي الأخرى تحاول قدر الإمكان مساعدة زوجها بتكاليف الحياة ، وما بيدها سوى حرفة نقشة الحنة ، فتقول: تأتي النساء(الزبائن) من مختلف الأماكن في الحي ، وهذه الأيام الدخل لا بأس به ، لأنه موسم أعراس .. وتضيف : 500 ،800،1000،1500، هي أسعار النقش.. وكل سعر على حسب طول رسمة النقش .. طاهر في هذه الأثناء يضطر للخروج من المنزل المتواضع ذي الغرفة الواحدة ليسمح للزبائن أخذ راحتهن عندما تقوم زوجته بنقشهن.. زوجة طاهر أخبرتنا أنها دخلت جمعية بـ2500ريال شهريا من دخل النقش، وستقبض قيمتها نهاية الشهر الجاري لتغطي بها تكاليف ولادتها ونفقة مولودها الأول.. لكنها عندما يسدل الليل ستاره تشعر بالخوف من بعض المارين (سكارى) ليلا أمام منزلهم ، وهي تسمع أصواتهم خلف نافذتهما ، في هذه الأثناء يطمئنها طاهر، ويهدئ من روعها ، ويعدها بمنزل أفضل يأويهما ويؤمن راحتهما التي طالما حلما بها.