رحم الله شهداءنا .. يبدو أنها جملة لم تغادرنا طيلة الشهور الطويلة الماضية ولا أحد يعرف إلى متى سنستمر في قولها.
تابعنا
جميعاً أحداث رجالنا في سيناء ولن أقول بمزيد من الآسى لأنها كلمات أصبحت
لا تغني ولا تثمن من جوع، بل أصبحت كلمات موصومة، تماماً مثل كلمات الجامعة
العربية في الأزمات والتي حفظها أطفالنا، نشجب ونندد ونرفض ....
ولكن
علينا الأن أن نسعى لفهم ما يحدث ، على الأقل الفهم ، حتى وإن كان الفعل
سيتأخر تأخر حركتنا، وتأخر إتفاقنا الذي يحتاج عمر حتى يحدث.
فإذا
ما حاولت رصد ما حدث ستجد أنه ليس من العقل أو حتى من حسابات وأرقام
وتحليلات الأزمات أن يكون المسؤل عما حدث لرجالنا في سيناء فلسطينيين ..
لأن أول خاسر منها هم الفلسطينيين أنفسهم في غلق المعبر والتشديد على كل ما
يتعلق بهم .
ثم
أنهم يسعون بكل طاقتهم للحفاظ على الإمتيازات التي يعدهم بها دكتور مرسي
كل يوم بدأ ببعضها وأعتقد أنه كان يحمل الكثير لهم في جعبته في الفترات
القادمة.
والإحتمال
الوحيد إن كانوا من الفلسطينيين - إحتمال ضعيف إلى حدٍ ما - أن يكون
إنقلاب داخلي بين عناصر فلسطينية مقصود منه ما حدث بالضبط ..
فنحن
نعرف أن الصف مشقوق أيضاً في فلسطين، وبالتالي قد يكون الأمر حادث من داخل
الصف الفلسطيني للنيل من حماس مثلاً إذا إعتبر بعض الفلسطينين من الذين
يموتون على السلطة – في كل بلد لهم نفس الخلقة – أن ما يمنحه الرئيس المصري
هو تهيئة لحماس أو رفعه لهم على باقي الفصائل، وبالتالي من المنطقي جداً
أن يكون هذا العمل بهذا الشكل وبما أن العالم كله يرى الإسلاميين في كل صوب
المسؤلين عن كل كارثة مسلحة فمن السهل أن تُكتب على حماس، وبالتالي يكون
قد حقق ما يريد.
أما
الإحتمالات الأرجح فجميعها تشير إلى ((رسالة)) يرغب البعض في تسريبها لنا
من أن الحكومة الجديدة ومَنْ على رأسها لا يستطيعوا حماية مصر .. ومن
المحرج جداً أن يأتي ذلك من مكان دعمه الرئيس قبل حتى الدعم الداخلي ..
وبالتالي فإن أول إنطباع يأتيك هو أن هذا الرجل – الرئيس – لا يجيد الإدارة لأنه أعطى لمن أفسد وعده.
وهي إشارة من مصلحة كثيرين لو عددتهم لأحدثت لك إرتباك جعلني أقضي وقت طويل أحسب في الفوائد العائدة على كل منها.
من
بينها دول وإتجاهات دينية أو تقسيمات ربما يزعجها هذا الحال من إتحاد
القوى المسلحة مما يغير معالم القوة في المنطقة ، أو من أن الأمور بدأت على
الأقل في ترتيب بدرجة حتة لو لم نلحق أن نرى آثاره لكن كما تعلموا أن ضرب
البنتة الأولى أقسى من الناحية النفسية لأنه يجعلك تشعر بأن كل ما ضاع هباء
كما أن ضربه أسهل.
فكانت
هذه الضربة بعد أيام من تشكيل الحكومة التي إتفقنا أو إختلفنا عليها ربما
كان لديها ما ستقدمه لنا خلال الأيام القادمة أو هكذا كنا ننتظر.
هذا
بالطبع إلى جانب الساحرة الشريرة إسرائيل التي لا أميل إلى أن أعطيها أكبر
من حجمها ولا أعتقد أن ما يمكن أن نسميه (صدمة رمضان) قد إنتهت من داخل
نفوسهم ليكرروها مرة أخرى، لكن العدو دائماً يحاول ، وبالطبع ليس بعيد
بالمرة خاصةً أن الإعتداء يتميز بالخسة وهي ملامح حين تصفها أو تريد تجسيد
لها لن تجد أفضل من هذه المسماة بإسرائيل .
لكني
دوماً احذر من أن أمجد في خصمي أو عدوي من أن أنسب له شرف ضربي على غفلة
مني لأنني من المفترض أعرف مكانه وداخله وتحركاته ودوماً متوجهه له بما
يجعله يهابني حتى وأنا أعزل ( فلسفة حياة شخصية قد تنطبق أو لا لكني أتعامل
بها في حياتي لا ينال خصمي من تفكيري شرف أنه نال مني بل دوماً أبحث فيمن
لم أفكر فيهم لأن الآخر كما قال شكسبير بما إني لا أحبه فهو في عقلي وأحترز
منه دوماً) !!!
وهنا .. قد يطول بحثنا عن القاتل الذي فعل .. لكن هناك فاعل آخر دوماً مشارك في الأمر وهو الذي لم يفعل.
وهي
نظرية نشرحها للمديرين والقادة أثناء تدريبهم إسمحوا لي أن أخذكم فيها
سريعاً وهي منبثقة من الشرع قبل أن يعلمها لنا أولاد العم سام.
إنك في كل تصرفاتك حين تتحمل المسؤلية .. (( مسؤوووول)) مسؤل وذلك على النحو التالي:
أنت مسؤل إن فعلت وأخطأت.
ومسؤل إن لم تفعل وكان من المفترض أن تفعل.
أنت مسؤل عن فعل غيرك مكانك .. مسؤلية إختيار لأنك فوضت من لا يستحق
أنت مسؤل عن عدم فعل غيرك الذي فوضته لأن تراخيه يعني أنه لم يقم على دورك الذي إخترت أنت أن تفوضه فيه.
وبالتالي .. هناك أمرين يمكن تقسيم كل الأمور لهما وهما :
الفعل الخاطئ (خطأ الهجوم)
التراخي عن الفعل الصحيح (الدفاع أو الوقاية)
وهنا
يبقى في معادلتنا بخصوص رجالنا في سيناء قاتل آخر لابد من الكشف عنه وهو
مَنْ تراخى عن الفعل ( مَنْ لم يفعل) المسؤل عن اللافعل .
ونظرية
اللافعل في الأزمات والكوارث والمسؤليات والقيادة نظرية كتبت فيها كثيراً
وتحدثت فيها كثيراً أختصرها لكم هنا بعد أن تناولتها في عدة مؤتمرات في مصر
وخارجها في :
إن
مَنْ تخاذل عن تهيئة المناخ الأمني لهؤلاء الرجال وجعل منهم مَنْ يقول وهو
يلفظ أنفاسه: إتاخدنا غدر .. غدروا بينا .. لابد أن يُحاسب .
لابد
أن يعلن مسؤليته عن ضياع شبابنا بالقاتل النفسي (إهماله في مسؤليته) ، لأن
كلمة الغدر أو المفاجئة كلمة لا يجب أن يعرفها الجهاز الأمني ، ولا يجب أن
تكون خسائرها بهذا القدر ، فمن المتعارف عليه أن الحماية لديك درجات إن
ضاعت منهم واحدة فقد يكون نتيجة للظروف ويمكن تداركه أما لو زاد ودخل مرحلة
أخرى ولم يجد صد منك فإنك مسؤل بدرجة أكبر من الفاعل نفسه .. فتخيل أن لص
دخل بيتك ، ثم إستطاع أن يدخل إلى حجرتك لسرقة ما بها ، ثم فتح خزنتك ، ثم
دخل مطبخك ليأكل ، ثم أخذ في بيتك حمام ، لا ينقص سوى أن يقرر في أي حجرة
سيعيش معك ويختار ما بين حجرة صغيرة بحري وأخرى كبيرة قبلي وفيها تكييف ..
هذا ما حدث .. قتل رجال ثم سرقة مدرعات ثم هروب في أمان الله ورعايته، ثم
صحينا من النوم نبحث عنهم لنعرف هل أخذوا واجب الضيافة أم كانوا في عجلة من
أمرهم فإكتفوا بما كانوا يريدونه!!!
والأسئلة التي يجب أن يجيب عليها هذا المسؤل كي يعرف نفسه :
هل سمعت عن تحذيرات إسرائيل لرعاياها قبل يومين ؟؟
هل حللت هذه الأنباء حتى لو كانت شائعة؟؟
هل قرأت في فن الحروب ووجود إضطرابات أن حتى الصلاة فريق يصلي وفريق يحرس؟؟
هل كانت المنطقة مجهزة بالشكل الذي يحمي أولادنا ورجالنا الذين راحوا؟؟
هل كشفت الأجهزة المعنية عن أي معلومات قبيل هذا الحادث؟؟
هل وصلتك؟؟ ماذا فعلت فيها؟؟
أعتقد
إنني سأكتفي بهذا القدر .. وسأبلغك معنى واحد فقط .. الأم حين تذهب بإبنها
(ضناها) مصاب بيعملوا لها محضر إهمال .. ودول عشرين راجل ماتوا وعدد مصاب
.. إجمعهم سيادتك جمع جبري وحدد ما يجب عليك أن تفعله.
أحلم في هذه البلد بأن أرى إستقالة واحدة تُخبرني بأن هناك مسؤل يعرف معنى كلمة المسؤلية.
هل
يفرق مع سيادتك أو سعادتك أو حضرتك أن أوصل لك بأن شعور (الإنتهااااك)
أصبح لا يغادرنا ؟؟ والله والله حينما درسنا علم النفس وآثار ما بعد الصدمة
وذهبت بها لكل الدول أثناء كوارثها تعلمنا أن هذا الشعور أقسى شعور على
البني أدم الذي كرمه الله وقال في كتبه الحكيم
"
الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" فكم بيت الأن يخيم عليه الحزن يمكن عدد
معلوم لكن شعور الإنتهاك أصبح يخيم على مصر كلها .. فهل تقبله على
نفسك!!!!