مررت بيوم شاق في العمل ومع هذا لا اعلم لم شعرت برغبة أخيره بتفقد بريدي الإلكتروني قبل أن اخرج وأغادر أروقه الجريدة التي اعمل بها , كالعادة مليء برسائل لا اعرف اغلب عناوين أصحابها , قرأت أسماء المرسلين على عجالة فلقد قررت بداخلي أني لن اقرأ هذا المساء أيا منها . فالصداع الذي شعرت به هذا الصباح لازال يلازمني . استوقفني اسم ( مدمن المعصية) بلا شعور مني وجدت أناملي تتجه إلى فتح تلك الرسالة التي أوجست خيفة منها , لا اعلم لم شعرت بأنها تحمل شيء سوف يؤذيني , يقول علماء النفس أن بداخل كل إنسان حدس يرشده ويحذره , وأنا أقول أن قلب المؤمن دليله .
الرسالة الأولى ( إجابة تساؤل )
سيدتي الفاضلة ..... قرأت مقالتك التي نشرت في الجريدة هذا الصباح الداعية إلى التسامح ونبذ الفرقة بين الناس على اختلاف أعراقهم وألوانهم وديانتهم , كان كل ما قلتي عادي واقل من عادي بل انه كلام مكرر , نسمعه كثيرا ولا نطبقه أبدا. لكن الذي استفزني وجعلني أرسل لك هذه الرسالة هو تساؤلك لأقل السطحي عندما قلتِ ( هل تحب أن يموت إنسان لتعيش أنت) لقد قرأت هذا السؤال بل السطر الذي احتوى السؤال مرات ومرات . وفي كل مره اشعر بك وانتي تكتبين من خلف برجك العاجي وتحاسبين الآخرين وبل وتلوميهم حتى على الحلم . قد لا يقتل شخص شخصا آخر على سبيل الحقيقة لكن في أعماقه يتمنى ذلك . إذا كان مثل حالتي فإنه يتمنى موت الآلاف فقط ليعيش. سيدتي أنا الآن اقرب للموت مني للحياة ولم اكتب لكِ لأكسب التعاطف او الشفقة فتلك مشاعر تشبعت منها وأغدقها الآخرون علي حتى وان كانوا غرباء عني . عندما ينظرون إلى حالي وما آلت له صحتي. بل كتبت لك لأروي قصتي ولتجدي جواب على سؤالك المستفز . ولتعلمي أني أريد العيش ليس حبا في الحياة بل ........... لذلك قررت ان أخبرك قصتي واسمحي لي على ان تكون على هيئه أجزاء فالكتابة الطويلة المستمرة ترهقني وان كنتي شغوفة لمعرفه النهايه / فهي كالتالي اني سأموت قريبا جدا . أما البداية ولم اخترت أن أوقع بمدمن معصية فذلك ما سأرويه لك في رسالتي القادمة إن شاء الله مدمن المعصية كان أول شعور انتابني بعد قراءه تلك الرسالة أني شعرت بالصدق النابع من بين حروف كلماتها كما شعرت شعرت بفضول لأعرف قصه هذا الرجل وما الذي يريد إيصاله لي . لم افتح غير هذه الرسالة , التي غادرت بعدها إلى منزلي , فلقد انتهى يومي وغدا يومٌ جديد يحمل في طياته الكثير
مرت أيام وأنا أتفقد بريدي الإلكتروني مرتين باليوم ومع هذا كانت النتيجة التي احصل عليها لا شيء لم يردني من ذلك الموقع بمدمن المعصية شيء هل تراه كان يتلاعب بي, أم أنها مجرد نزوة لمراسله كاتبه صحفيه والرد على مقالها (وكل حي يروح لحاله ) يبدو أنني فقدت مهارتي ونسيت أول درس يتعلمه من يمارس العمل الصحفي وهو ( أننا لا نصدق كل شيء ولا نكذب أي شيء) فالحقيقة في مقاييسنا تختلف ويختلف التعاطي معها عن باقي الناس , قال لي احدهم يوما بعد أن مررت بموقف اثر فيني بالعمل : دعي مشاعرك خلف هذا الباب وكان يشير إلى باب مكتبي , يبدو انه أراد ان يوصل لي الرسالة التالية أن لا اخلط المشاعر بالعمل فعملي يتطلب كثيرا من الدقة والإخلاص وقليل من القسوة. ومع هذا تعلقت برسالة وصلتني من مجهول بل تعلقت بتكملة الحكاية , شدني الفضول لأعرف سبب التسمية والإنسان بطبعه باحث عن المعرفة وجاري خلف المجهول . وفي يوم الاثنين اجل أنا اذكر اليوم جيدا لأنني بهذا اليوم سكبت دموعي التي هجرت مقلتي منذ زمن بعيد سكبتها أمام شاشه صماء تحمل نبض حروف إنسان لا اعرفه . وصلتني رسالة .
الرسالة الثانية ( أدمنت المعصية )
سيدتي الفاضلة .... لا أعلم هل أجد لي مكان هذا المساء بين دقائق يومك وعملك لأخبرك عن تكمله حكايتي ام ان رسالتي سيكون مصيرها سلة المهملات , كما هو حال روحي في زمن ما . لأبد قصتي كما أراها , لا اعتقد انه يهمك نشأتي ومع هذا سأتطرق لها بشيء من الاختصار فلقد نشأت في أسرة عاديه . والدي رجل وقور وأمي سيدة فاضلة تبدأ صباحها بسورة الفاتحة وتختم مسائها بسوره الكرسي. لدي ثلاث أخوه وشقيقتان . هل رأيت لا شيء مميز في أسرتي بل هي أسرة عاديه تجدي نسيجها في اغلب الأسر . كنت أنا المميز . بماذا ..... وانأ اكتب لك الآن تتردد آية أمامي وكأني بالشيخ الشريم يقرأها كما سمعتها منه أول مره وانأ بالحرم المكي (قال تعالى في سورة المجادلة ( أستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) فعلا استحوذ علي الشيطان لزمن طويل لقد أدمنت المعصية وجربت كل ما يمكن ان يخطر لك على بال من أفعال شنيعة اخجل ان اذكرها أمامك تصريحا ويكفي أن تكون تلميحا . كنت أمر بحاله إدمان وحاله شراهة بالفعل فكلما فعلت أمرا أراني لا ارتدع بل ابحث لأعالج انهياري وندمي منه بأمر اكبر منه حتى وصلت إلى الكبائر. كأني بك تتساءلين الم تخشى الله ؟ ألم يكن لمن حولك دور في إصلاحك ونصحك؟ عندما ينغمس الإنسان في المعاصي هل تعتقدين انه لا يندم ؟ لا والله يندم وتمر به لحظات توبة وندم لكنه سرعان ما يعود لمعصية أخرى ليس لأنه كان كاذب في توبته ولكن لأنه ضعيف اضعف قلبه وروحه استحواذ الشيطان علية لزمن طويل. ومع هذا أنا لم اتب بل توجه إلى معصية جديدة يطلق عليها الناس العربدة الفكرية . للاعتراف فصول أخرى...... مدمن المعصية
لم أشعر إلا وبدموعي تنهمر من مقلتي بحرارة لا اعلم لم شعرت بالخوف من الله وحبة تعالى . في نفس اللحظة . كأني أخاف أن يأخذنا بما فعل السفهاء منها واحمده على أن حفظ لي ديني. ومع هذا زدت فضولا لمعرفة فصول حكايته . .
عندما كنت صغيره تعلقت بمجله الأطفال ماجد كانت تمثل لي نافذة على العالم الخارجي بكل ما فيه من علوم وثقافات لكني كان هناك صفحه كثيرا ما تستوقفني ولا اشعر بها , كثيرا ما تأملت الصور التي فيها وقرأت الأسماء التي دونت تحت كل صورة ومع هذا لم اعرف أهميتها أو لماذا هي جزء من تلك المجلة , فعلا كانت صفحه التعارف هي ما يدهشني فحينها لم استوعب لم يكتب شخص لآخر لا يعرفه ويخبره عن حاله وطموحه وأحلامه, او قصه حياته . وهاأنذا بعد سنوات عديدة أعرف السر وتزول الدهشة فمن خلال قراءه رسائل مدمن المعصية شعرت بأن هناكـ جزء في رسائله يشبه فلان أو قد يقع لعلان من أشخاص يحيطوني بالحياة من أهل او جيران كأني به يخبرني أن هناك مسؤولية تقع علي , فكل فرد منا نحن المسلمين رجال أو نساء يكمل الآخر وينصح ويرشد , ويدعوا وفق اطر إسلامية صحيحة . أذن لكل منا في حياة الآخر جزء وقصه ونصيب .
الرسالة الثالثة( أنا حر ) سيدتي الفاضلة .... كنت ذات مساء في سهره حمراء لا اعلم لم يطلقون على الليالي التي تكثر فيها المعاصي هذا الاسم( حمراء) أختلط فيها كل شيء النساء والرجال والخمور والمخدرات , وكنت وأنا لا أفاخر بحالي حينها بين الفاقد لوعيه والمدرك لما حوله , كأني بدمي الذي يسري في جسدي أصبح ازرق وهو إشارة إلى فقدي للإحساس والشعور بما حولي من المعاصي والناس. رأيت رجل يدل مظهره الخارجي على انه في المكان الخطأ , فهندامه المرتب وجلسته المستقيمة شدتني إلى النظر له . بيده كأس شراب مسكر وبيده الأخرى كتاب. قلت له بصوت عالي ( يا الطيب المكتبة العامة بالشارع الثاني ) ضحك الكل وحتى ولم يفهموا شيئا فحالهم والله كالأنعام الفاقدة للعقول , المستخدمة في السرك المقلدة الراغبة في إرضاء مالكها . وبعدها وبدون دخول بالتفاصيل أصبح هذا الشخص ( طارق) من اعز أصدقاء الزمن الفاسد على يديه تعلمت القراءة ل (جون لوك/ وجان جاك روسو/ و وتوماس هوبز) وغيرهم الكثير نقش في عقلي التركيز على أهمية الفرد و التحرر من كل سلطة خارجية, تغير سلوكي فجأة وأذهل كل من يعرفني من أهلي وأقربائي , وكانوا فرحين للحال الذي أنا به . لم يعلموا فبدلا من السهر والعربدة الجسدية أصبح الآن لي هدف أسمى أو كنت اعتقده كذلك وهو تنميه عقلي , لم اعرف أن طارق كان يبث السموم في عقلي ويزرع خنجرا في عقيدتي الإسلامية . أتعلمين ان زعزعه العقيدة اشد خطرا من الانحراف في السلوك وطريقه الحياة , فالثانية يستطيع أي شخص عادي أن يقنعك ويدعوك وينصحك أما الأولى فهي كالوباء الذي يحتاج إلى عقل مسلم ناضج واعي يقنع الطرف الآخر المصاب بهذه العلة ويستأصل تلك الأفكار عنه .
ويبقى للإدمان فصول لم تسدل الستارة عنها .......
مدمن المعصية
أسبوعي كان حافل في العمل فمن كتابه عمود أسبوعي إلى كتابه تقارير إلى الرد على رسائل القراء واستفساراتهم . لكني كنت انتظر إكمال اللوحة الناقصة لمدمن المعصية , هناكـ نوعين للانتظار من وجه نظري وهذه فلسفه خاصة فيني اكسبتنيها الحياة تقول التالي ( أن الانتظار إما أن يكون لشخص , أو يكون لحدث ) وكلاهما مؤلم يؤدي بكـ إلى القلق , تشعر بان هناكـ شيء ينقصكـ ولا تعلم ما هو ... تعمل تأكل تنام ولكن يبقى هناكـ ذاكـ الشيء العالق في ذهنكـ يربكـ أوقاتكـ ويشغل فكركـ ويقض مضجعكـ لذلك تبحث له عن حل ليس من باب الفضول ولكن من باب البحث عن نهاية بغض النظر عن جمال هذه النهاية تبقى نهاية , ستسير بعدها لبداية قصه أخرى وانتظار حدث آخر أو شخص آخر وهكذا هي الحياة . في حالتي الآن انا بشوق إلى إكمال الحدث يرويه لي شخص غريب , ومع هذا أسبوع وأنا لم اجد لصدى قصته تكمله في بريدي الإلكتروني . في ذات مساء اذكر انه كان مساء هادي . كنت اعمل على كتابه استبانه خاصة بعملي, وفي قمة اندماجي في نقل الكلمات والأرقام أفزعني وحركـ سكون مسائي صوت تنبيه بأن بريدي الإلكتروني وصلت له رسالة قرأت الاسم ( مدمن المعصية ) ابتسمت وقلت الفرج دائما يأتي بعد الصبر .
الرسالة الرابعة ( الحب الحقيقي ) سيدتي الفاضلة .... لا أعلم لم رويت لكـِ أحداث جزء من حياتي دون أن أراعي الترتيب الزمني لها , هل تذكرين لقد بدأتكـ بالنهاية ثم انتقلت لكـ في فصول أجزاء من حياتي , كنت أتعمد إخفاء فصول وتأخير أخرى . كنت أخفيها حياء من الله أولا ثم منكي ثانيا أنا لست فخورا بما فعلت ومع هذا يبقى هو جزء من حياتي . أنا مسئول عن فعله وعمله , هذا المساء لا أعلم لم فكرت في ( حياة) التي يبدو اني مهما أخرت الحديث عنها فإنها تخترق الذاكرة كما اخترقت القلب لتظهر على السطح . في وقت ما لا اذكره تحديدا وبعد إلحاح شبه يومي من والدتي قلت( نعم موافق) كانت كعادتها عندما تراني بعد ان تدعوا لي تقنعني بإن ارتبط بفلانة , وكل مره كان الاسم يتغير وإجابتي واحده لا أريد ان أتزوج . والدتي سيدة فاضلة أمد الله في عمرها تؤمن بأن حل أي انحراف في سلوك ابنها وطيشه هو الزواج . وأنا كنت ارفض لان كل إشباعاتي التي سيحققها الزواج مشبعه ولكن عن طريق الحرام . فلقد فقدت ثقتي بالنساء كما فقدت ثقتي بنفسي بأني سأكون أمينا على أمراه تصبح يوما ما زوجتي . ومع هذا وافقت فقط لأسعد والدتي التي تذرف الدموع كل ليله وهي تسجد وتعدوا لي بالهداية . تزوجت واقترنت حياتي بحياة المسكينة ( حياة) كان زواجا تقليديا جدا , كنت بداخلي ارثي لحال تلك المرأة التي وثق أهلها باسم احمله وعائله انتمي لها فوهبوا لي فلذة كبدهم وقره عينهم . كنت قد قررت السفر معها إلى احدى الدول الأوربية . في ليله الزفاف وبعد انتهاء مراسم العرس . كنت أكاد اقسم بأنها ستحب العيش معي فأنا عقل متفتح حر لا أؤمن بدين ولا عادات وتقاليد تحكمني . كان اول ما صدمني قبل الذهاب إلى المطار لباسها ( كانت تلبس العباءة الكاملة والخمار الساتر ) أزعجني هذا المنظر فهي تريد أن تحرجني أمام الناس والغرب وستكون حكاية سخريه لهم . ومع هذا لم اعلق وقلت عندما نصل على بريطانيا سوف اجبرها على خلع تلكـ التقاليد الباليه . آه يؤلمني الآن استرجاع الذكريات والبوح بما حدث لي مع حياة , كنت بصراع معها كنت أراها أمامي تمثل دين أجبرت عليه وعادات وتقاليد أحب ان أخالفها . وهي كانت كالسلام وكالماء صابرة هادئة قانعة بثوراتي . رفضت خلع حجابها . رفضت شرب المسكر معي . رفضت السهر والعربدة مع أصدقائي. وكانت تقرأ علي القرآن إذا ما نمت , وتدعوا الله لي وهي تبكي . ضربتها مره بعد حاله سكر وفقدان وعي . وفي الصباح وجدتها أعدت لي طعام الإفطار وتذكرني بالصلاة. وعندما سألها أهلها عن الإصابات التي فيها قالت سقطت . كنت اصرخ فيها إني لا أريد منها أي أطفال . جرحت كل ما فيها من أنوثة ومع هذا لا اذكرها إلا مبتسمة هادئة . كم سنه بقت هذه المسكينة الصابرة أسيره جنوني وتفنني في تعذيبها وتحطيمها . ثلاث سنوات ربما اقل أو أكثر . وفي يوم صحوت ولم اجدها في المنزل . وجدت ورقه كتبتها لي خطت فيها (الحب الحقيقي : هو أن تحب الشخص الوحيد القادر على أن يجعلك تعيسا, عسى تعاستي تكون مصدر لهدايتكـ)
ويبقى لنزف الذكريات بقية ومساحات ورق راصدة .....
مدمن المعصية
فقدت رغبتي في إكمال العمل الذي لدي/ صليت ركعتين وأويت لفراشي ولساني يدعوا لحياة
عندما يؤثر بنا شخص فإننا نسهب بالحديث عنه حتى يشعر من أمامنا انه يعرفه , أحيانا تناقش أحوال الناس, وساعات تتناقش بما حولك من أحداث ولكن بعد قراءتي للرسالة الخامسة من مدمن معصية أحببت أن أناقش الأفكار التي جاءت فيها . مع كل من حولي.
الرسالة الخامسة ( انتحار)
سيدتي الفاضلة... اشعر بك والسأم يتسلل إلى روحك ويعطل فضول المتابعة لديك بسبب كثرة رسائلي وطول المدة بين رسالة وأخرى , لا ادري اشعر باني أسجل مذكراتي أو آخر كلمات في حياتي لذلك أتلذذ بآخر حرف فيها كآني أتشبث بالحياة معها . هل أخبرتكـ أني فكرت بالانتحار. ولم أفكر بالتوبة . اعلم ان ما قد أقول لك الآن لا يبدو منطقيا ولا عقلانيا بل هو ضرب من جنون ومس شيطان استوطن روحي . أتعلمين كاذب من يقول انه تاب بسبب موقف موت قريب , أو نجاته من حادث مروع . فكم عزاء وقفت فيه دون ان يحرك ذلك في قلبي ذره شعور, بل كنت أسابق أهل الميت إلى حمله إلى قبره ومثواه الأخير. ليس قسوة قلب بقدر ما هو نفاق اجتماعي وقناع أختفي خلفه , واخفي ذنوبي عن الآخرين . التوبة تحتاج أكثر من ذلكـ أكثر من موقف لانتزاع رواسخ بالية ومعاصي صدئه ملئت القلب قبل أن تملأ الجسد بآثارها العكسية. وغمامه ذنوب أغشت العين عن رويه الحق . لقد كان انتحاري قبل توبتي بزمن طويل. كيف انتحرت ؟ سيدتي يعرف الغالبية الانتحار بأنه قتل النفس. والقتل ليس بإزهاق الروح وخروجها من الجسد بعد ان توجه لها رصاصة طائشة كطيش أيامك الفائتة .
كل ذلكـ بأمر الله , موتكـ وحياتكـ
انتحاري كان مختلف فلقد قررت الانتحار اجتماعيا . خروج ( حياة) من حياتي تركـ لي صفعه , أراها عندما أقف أمام المرآة فأنا لا امتلكـ احد, يئست والدتي مني وتوفى والدي وتزوج كل أخوتي . من بقى ؟ كل ما تبقى لي منهم محاولات ضعيفة بائسة يائسة من توبتي يعاودوني بها بين فتره وأخرى . ومسج بالعيد يهنئني.
كنت اشعر بالوحدة فقررت ان اسكن بالوحدة قطعت كل اتصالاتي بالعالم الخارجي, وبدأت الانتحار وكان المكان حولي يضيق ويخنقني ,كنت انتظر الموت واعد الذنوب والمعاصي التي اذكر اني ارتكبتها . كنت اشعر بالغرق في بحر الكآبة , خاصمني النوم وتسلل لي الأرق . في ذات مساء وجدت اني ابكي بلا دموع .
استلقيت على الأرض .... بدأت النهاية ... ها أنا أموت .... يا الله كان انتحاري ناجحا ....
أردت ان استغل باقي الثواني التي لدي وأفكر بأجمل ما فعلت في حياتي....
لم أجد شيء مخزون في الذاكرة ... حاولت .... حاولت ... لا شيء... من هنا كانت البداية....
اعتذر بوحي هذا المساء أكثر إيلام لي مما كنت اعتقد
ليبقى للسرد بقايا إذا توفر بالفضاء مساحات استقبال الرسائل .
مدمن المعصية حفظت الرسالة في ملف خاص , مع ما سبقتها من رسائل. وأنا لا استطيع ان اكف عن طرح هذا السؤال على نفسي كم منتحر ومنتحرة اجتماعيا بيننا أجساد بلا أرواح , أسماء بلا أشخاص, هل نحن المقصون في عدم السؤال والبحث عنهم, وزرع الأمل فيهم برحمة الله . ام هم الملامون على انسحابهم وهربهم .
لا أعلم
عندما استيقظت هذا الصباح كان بداخلي هاجس اشغلني , ترقب لحدث لا أعلمه , استعذت بالله من شيطان رجيم تفنن في إشغالنا وإلهائنا عن اغلب ما في حياتنا من خير . دخلت مكتبي في الجريدة لأقرأ بطاقة كنت قد علقتها سابقا على الجدار كتبت بها
(( هل تحب أن يموت إنسان لتعيش أنت) كان هذا السؤال الذي استفز حروف مدمن المعصية وشجعه على البوح , لأنه يوما ما سيخبرني الإجابة .
على غير عادة وجدت رسالة جديدة منه في بريدي الإلكتروني هذا الصباح , شعرت بغرابه من توقيت الإرسال ومع هذا لم يدع فضولي ولهفتي إلى إكمال البقية من قصته أي مجال للتفكير أكثر .
الرسالة السادسة( إلى أين سأصل بمعصيتي؟)
سيدتي الفاضلة ......
أرعبتني فكرة أن ذاكرتي لا تحمل لي بصمة عمل طيب على مدى سنوات عمري التي تفننت في إفنائها في كل مسلك سوء . يا الله ألا امتلكـ حتى بصيص شعاع عمل خير , في نفسي او في الآخرين . كنت لا زلت مستلقي على الأرض, كيف أموت الآن ولم أموت وانأ لا امتلكـ لنفسي زاد , هناكـ نهاية لا بداية لها بعد ان أموت . ولكن الآن لم أمت .. أذن لتكن بداية لنهاية أترقبها وهي الموت.
كنت قد هجرت المساجد منذو سنوات , حتى أني قد أضعت دروبها , واخجل إن قلت لكـ إني أكاد اجزم بأني نسيت اغلب ما حفظت من كلام الله أثناء سنوات الدراسة .
خرجت من المنزل هربا من الموت وحيدا, مثقلا بالذنوب, خاليا من ذكريات الخير وأفعاله . إدماني للمعصية كان متفشي بجسدي, كنت اعلم أن بداخلي ان كل ما بداخلي الآن من مشاعر متناقض وثائر لم أشأ أن اكبتها . جهلي بدأ يزداد أين اذهب ؟ اقتربت من مسجد , والله اني كنت هائما لا اعرف كيف وصلت له . شعرت بة ملاذ ومأوى . دخلت بخوف توضأت .... ثم جلست ... رأيت رجلا على مسافة بعيدة مني يرتب المصاحف . لم أتكلم ... لا اعلم ماذا افعل او أقول... لم أنا هنا ....؟ ( السلام عليكم) صوت رخيم هادي اخترق صمتي وضياع فكري .اقترب مني هذا الرجل وقال هل تحب ان اساعدكـ بشيء نظر إلى هندامي , وذقني المهمل , لم يعلم بأني هارب من الانتحار ... نظرت له وقلت اقرأ علي شيء من القرآن .... كان يحمل مصحفا بيدة .... ابتسم وجلس... لم يقل شيئا فتح المصحف الشريف بطريقه عشوائية وقرا بصوت رخيم والله افقدني الإحساس بكل شيء إلا متابعه الكلمات (قال تعالى( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18) النساء صمت لم يكمل ... كنت ابكي ... أتألم .... إلهي ... أرشدني... تركني هذا الرجل اغسل روحي ولم يتكلم ..... أكمل قرائه الآيات وبعد فتره اذن المؤذن لصلاة العشاء صليت وانا ابكي كنت اشعر بالفرح .. لأني اشعر بسكينه في داخلي . ليست تلك النهاية سيدتي فهذا الشعور راودني منذو مدة ... تجاهلته كثيرا ... واخشي ان أتجاهله دائما .... لا أريد أن أموت بعد ان شعرت بالصحوة لأول مره بحياتي.... شعرت بيد تمسكني.... انتفضت .... كانت الإفاقة ... اخذ الرجل الذي قرأ القرآن علي سابقا بيدي وخرجنا من المسجد معا ... يا الله كم احبكـ في الله يا أخي ( ناصر) لم يفارقني يوما ... تحمل ثوراتي..... ناقش عقلي المتشبع بسموم الأفكار.... صبر على سلوكي....
رافقني .. وصاحبني .... لله وفي الله ...
بعد ثلاث أشهر ... كان معي حين اخبرني الطبيب اني مصاب بسرطان متفشي في جسدي. ومع هذا لم يتركني حتى كتابتي هذه الكلمات لكـ أتعلمين منبع سعادتي يكمن إني تبت إلى خالقي ورازقي قبل علمي بمرضي... وشكري لله بان أصابني بهذا المرض لعله صبري على الابتلاء به يخفف ما كان في سجل أعمالي وحياتي السابقة .
اكتبي لقرائكـ ( ليتمسكوا بكل شخص يقع, ويدمن المعصية) فنحن بحاجة إلى شخص لا يمل من رفضنا له , وكرهنا لنصائحه , فهناكـ يوم سيأتي نكون بحاجه له فلا نجده حولنا .
سيدتي نعم مرت بي لحظه هوى نفس أخبرتني أن أتمنى موت المئات بل الآلاف في عقلي الباطن لأعيش ليس حبا في الحياة بل لأشكر الله على ان من علي بالتوبة والهداية, واسأله قبولها
أخيرا وصلت بمعصيتي إلى باب المنان الغفور الرحيم التواب الحليم البر الجواد المنعم , سأطرق باب الرجا لعل الله يرحمني
استودعكـ الله الذي لا تضيع ودائعه
مدمن سابق للمعصية
لم استطع أن أغلق الرسالة , قرأتها مرات ومرات , دعوت الله ان يشفيه , وان يرحمة ويغفر له , وان يسامحنا لتقصيرنا في نشر دينه , والصبر على عبادة .
هل سيموت.... الآن
لا أعلم
ولكني أعلم اننا كلنا سنموت .. فأسأل الله حسن الخاتمة.
|