موضوع: هكذا هو الحزن الأحد 27 نوفمبر 2011, 7:44 pm
هكذا هو الحزن، يأتيك فجأة" كالموت، يسطو على بقايا ليلك ويقتات يومك التالي. وهكذا أنت، ترحل ببساطة من دون كلمة ولو قاسية وأخيرة، أو لعله يجدر بي القول، تأتي ببساطة من دون أية كلمة. علي أن أعترف، ذبحتني بجدارة.
أفتح الصندوق الخشبي الصغير وتسلب عيناك البعيدتان عيني. أذكر يوما" قلت لك فيه ان أكثر ما يشعرني بالأمان هما عيناك الثاقبتان، ابتسمت يومها وأجبتني بأنهما لي طوال العمر. ماذا حل بهما اليوم؟ أنذرتهما لغيري الى الأبد؟ أراقب شعيرات ذقنك شبه النابتة في الصورة، وأذكر يوم راقصتني والظلمة في كل مكان وخدك الأيمن يلامس خدي، شكوت لك يومها أن شعيرات ذقنك تؤلمني فهمست بصوت مر في أذني كالنسيم الهارب:" كان يجب ان تقولي لي في هذه اللحظة بحبك بقدر ما تشوكني شعيرات ذقنك!". كانت لديك طريقة مذهلة في جعل كل ما حولنا ينضح حبا" ومزيدا" من الحب.
أنظر الى حاجبيك المعقودين، كم كانت عقدتهما تأسرني! لعلها أكثر ما شدني اليك في لقائنا الأول. هذه العقدة التي فيها رجولة وحزم وغضب بقدر ما فيك أنت. تبدو في الصورة بداية ابتسامة فوق شفتيك، هكذا كنت دائما"، نصف حزين ونصف مبتسم. هاتان الشفتان لي تاريخ معهما، تاريخ من كلمات "أحبك" و "اشتقت اليك" والقصص والوعود. كم من وعد قطعت لي شفتاك بالبقاء معا" الى ما بعد النهاية! أكثر ما يؤلمني أيها البعيد جدا"، أكثر ما يؤلمني، أن تلك الوعود - كم كانت مقدسة - كم ستغدو بلا قيمة، مجرد كلمات قلتها يوما"، تمر أمامي كل ليلة ويقتلني مجرد التفكير بأنك قد تقولها لأحد ما في لحظة ما.
تقع يدي في الصندوق على ورقة زهرية اللون وجدناها على طاولتنا في مطعمنا المفضل يوم احتفالنا بذكرى وقوعنا في الحب. يومها ولسبب ما غامض، كانت الورقة تحمل رسما" لشاب يقع من عل وقد كتب الى جانبه باللغة الانكليزية: "أنا أقع في حبك"، فتناولت قلمك الأسود من جيبك ووقعت اسمك فوق ذراع الشاب وأهديتني الورقة قائلا": "تفقدي حالي من وقت لآخر ما كون فكيت رقبتي أنا وعمبوقع بحبك".
أصعب ما في الحب، أيها البعيد جدا" عني، أصعب ما في الحب ذكريات الحب.
من بين الأوراق والصور يطل الظرف الأحمر الذي يحمل بداخله بطاقاتك الكثيرة التي أهديتني اياها في مناسباتنا الكثيرة. أرفعه وفي قلبي خوف يخفق حتى الوجع، أفتحه كمن يفتح طردا" ملغوما" وهو يعرف أن فيه النهاية، لكنه لا يملك أن يردع ذلك الشعور المجنون في داخله، بالرغبة في قراءة خط يدك والاحساس بلمساتك فوق الأوراق.
"لكل ما حصل بيننا، ولكل الأيام التي قضيناها معا"، الحلوة والسيئة، السعيدة والحزينة، كوني متأكدة أني دائما" سأحبك، والى الأبد ستكونين معي".
"أريد أن أقول لك: بحبك ومن قلبي ونقطة عالسطر".
"لم تعد الكلمات تعبر عني، فقدت السيطرة على قلبي، عقبال ال 18 ألف سنة سوا."
"وردة مني قد تجعلك سعيدة، لكن لحظة معك هي الحياة لي".
ذلك بعض ما كتبته لي يداك. هذه الدموع الحبيسة لم أعد أقدر عليها، تجاوزتني وحطم قيودها خط يدك وذكريات جلساتنا الشتوية والتفاصيل الصغيرة وحنيني اليك.
كما حملتك السماء الي مرة" منذ سنوات وكلمتني، حملتك السماء الى لبنان هذه المرة، "يا صديقي"، لم تكلمني. أشعر كطفل يركض بسذاجة ليضم هديته بشوق ولهفة، فيكتشف أنها ليست له وأبدا" لن تكون كذلك. يا لمرارة الخسارة، ويا لقسوة الفقدان الأبدي!
الصبح والمساء باتا لي مجرد انتظار، أتفقد هاتفي كل بضع دقائق سدى"، يتضاءل أملي، يشتعل شيء ما بداخلي، شوق أم عتاب أم غيرة، لست أعرف. منذ وقت قريب، كان صوتك يعيد لي الأمل بنا معا" مجددا"، كنت أشعر أنه في أي لحظة أحتاجك فيها، أجدك منتظرا"، فاتحا" ذراعيك لي. اليوم بت أشعر أنك غريب عني، لم تعد مني ولم تعد لي.
يقال ان عظمة النار هي في كونها تحرق وتحترق، والحق أقول، ان عظمتك هي كعظمة هذه النار. ويقال ان عظمة الحب في قدرته على الحياة في كل الأزمنة المضادة، وأقول ان أكثر ما يعذب في الحب هو ذلك. ويقال ان الحب معلم لا صبر له، يعلمنا كل شيء دفعة واحدة، وأقول ان أكثر ما يتقن الحب تعليمه هو كيف نصبر ونصبر ثم نفقد صبرنا دفعة واحدة. يقولون ان أجمل الحب هو الذي نجده أثناء بحثنا عن شيء آخر وأقول، أشقاه أيضا". ويقولون انه في الحب، أكثر من أي شيء آخر، يجب أن تكون لك علاقة ثقة بالقدر، وأقول أنا، لم أثق يوما" به.
كثيرة هي المرات التي تمنيت فيها الابتعاد عنك والنسيان، لكني لم أتمنى أن أضمك بقوة والى الأبد، سوى لحظة ابتعدنا وقررنا النسيان. انها المرة الأولى التي تتركني فيها وحدي، ما أفعل بكل هذه الهموم؟ ما أفعل بكل هذه الليالي القاتلة؟ رجال الكون كله لن يقنعوني بأن لك مثيلا" بينهم، وكل أيام العمر لن تغريني بعيشها من دونك.
هكذا الحزن يجتاحك، كالحب الذي تبحث له عن بداية ولا تجد أبدا" أين ابتدأ ذلك الجنون. هكذا حزنك يكون، صعب جدا" أن ينتهي، كالخوف من شيء انتظرته طويلا" ولم تعرف ما هو حتى وقع.