سوء الظن كالقنبلة التي تنفجر فتدمر كل جميل في الوجود ، لا تعترف بزرع أو زهر أو بستان , أو طائر وديع أو حيوان أليف أو إنسان رحيم .
سوء الظن كاللغم إذا انفجر ، يخدعك باختفائه ، وتصدم بإهلاكه , حين لا يكون إعتبار لصغير أو كبير ، لإمرأة أو رجل ، لشيخ أو شاب .
سوء الظن القنبلة أو اللغم ، هو الذي يدمر العلاقات بين الأفراد ، ويفجر الصلات بين المجتمع ، ويفكك الروابط بين العائلات ، ويجفف العواطف بين الناس ، يقول تعالي : ( قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، من شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس ) سورة الناس
2- يدمر علاقاتك بأسرتك :
الحنان والدفء الأسري ، جو من أجمل أجواء الوجود ، فالحب الأسري يرفرف في جنبات البيوت ، لا تسمع إلا الكلمة الطيبة المشجعة الدافعة ، ولا ترى إلا البسمة الحانية الدافئة , ولا تشعر إلا بالبهجة المنشطة الباعثة للحياة ، ولا تحس إلا باللمسة العاطفة الرائقة , التي تهز الوجدان والكيان ، ولا تبصر إلا بقلب يخفق من أخلاق عالية كريمة .
كل هذه الأجواء سرعان ما يسري السمّ القاتل في جنباتها ، حينما يسيطر سوء الظن علي النفوس ، وتمتلأ به الصدور ، وتفسد به القلوب .
فكم من زوجة عانت من زوجها !
وكم من زوج تألم من زوجته !
وكم من أبناء ضاقوا بآبائهم !
وكم من آباء تحسروا علي أبنائهم !
وهل تستمر علاقات أسرية ، تقوم علي المعاناة والألم والضيق والحسرة ؟
3- يدمر علاقاتك بالمجتمع :
وهذه دائرة أوسع ولكنها ترجمة لحياتك اليومية ، فأصدقاؤك هم حياتك ، فلماذا تقتل هذه الحياة بسوء الظن بهم ؟!
وزملاؤك في العمل هم جزء من حياتك اليومية , فلماذا تصيبها بالشلل حينما يكون التعامل معهم بسوء الظن ؟!
وجيرانك هم سرّ من أسرار حياتك , فلماذا تخنقها بيدك حين تتعايش معهم بسوء الظن ؟!
4- تأمل هذه الصورة القرآنية :
يقول تعالى : ( همّاز مشّاء بنميم مناع للخير معتد أثيم )
لقد تأملت هذه الصورة القرآنية في مظاهرها ، وتعمقت فيما رسمه الله من أشكال هذه الصورة , في السلوك مع الناس والمجتمع والأسر .
فقد تجمعت فيها عدة مظاهر :
- تلفيق الأكاذيب
- تزوير الأخبار
- تضييع الحقوق
- صد عن الحق
- ظلم الآخرين
فتساءلت في نفسي :
ما سبب سوء الظن الذي أتي بهذه النتائج المسيئة في المجتمعات ؟
إذا كان سوء الظن ، قد أتى بكل هذه المظاهر والأشكال ، فلا بد أن يكون سببه هو مرض عضال من الأمراض المستعصية ، التي لا علاج لها بسهولة ، فأدركت علي الفور : ( أنه الهوى )
ففي شدة حادثة الإفك في المجتمع النبوي ، تأتي الآيات من السماء تؤكد على السبب الذي دفعهم لسوء الظن ، فيقول تعالى اذا تلقونه بألسنتكم ، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ، وتحسبونه هينا ، وهو عند الله عظيم )
وفي مجتمعاتنا كم من حادثات يجمعها الإفك ، ويحركها الهوي ، ويصنعها سوء الظن ، وإليك هذه المشاهد التي نعيشها ونراها ويلمسها المتأملون :
- مجالس القيل و القال والخوض فيما لا يفيد وقد قال الحكماء في ذلك : عدم الخوض في كلام لا ينبني عليه عمل فإنه من التكلف الذي نهينا عنه شرعاً .
والعجيب أن هذه المجالس قد يقدمها أصحابها باسم التربية أو التوظيف أو ترقية بعض الأشخاص , أو لدواعي الأمن ، فقد تتعدد المبررات وسوء الظن واحد .
- انتقال الحديث دون وعي أو تثبت ، وهذا مشهد آخر يعكر الأجواء الصافية ، ويكدر الأوقات الحالمة , ويزهق القلوب الطاهرة ، فما الذي يجعل الانسان ينقل كلاما عن الآخرين دون وعي به ، أو تحقق منه ، أو تثبت له ؟!!
ألا تتفق معي في أنه سوء الظن المنطلق من هوى النفس !!
- فإذا سألت عن الأدلة ، كان القول الجاهز :
( قالوا لنا ، أو سمعنا به ، أو صل الينا ، أو جاءنا من ثقة )
- لقد قيل لأحد السلف حينما سأل : وما دليك ؟ فقال : جاءني من ثقة فرد عليه : الثقة لا يبلغ .
فما إذن الداعي وما الدافع ، لهذا القول الجاهز ، ولا يقدم دليلا واحداً لإثبات ما يقول أو يخبر به ؟
إنه سوء الظن الذي صنعه الهوى في النفس ؟!
5- أعراض وعلاج
فإن سأل سائل كريم عن أعراض سوء الظن ، قلنا له هو ما تراه من أقوال وأفعال تفضح المرضى ، وإن أظهروا عافيتهم وابتعادهم عن سوء الظن .
تراها في :
- التجسس
- كشف العورات
- الاتهامات الظالمة
- الأحوال المضطربة
- البخل والحرص
- الكذب والجبن
يقول تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم )
لماذا يأمرنا الله تعالى باجتناب الكثير من الظن ؟ حتي نمنع القليل ، فهل أدركنا هذا المعنى ؟ وهل تأملنا النتيجة حينما نجتنب الكثير فنمنع القليل ، من أجل أن يختفي سوء الظن بيننا ، وحتي ندرك أن الله يعالجنا وهو أعلم بنا ، ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) .
ولذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم ، وحذر الحبيب أحبابه وأصحابه من سوء الظن فقال : ( اياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث )
ولكي تختفي هذه الأعراض ، أوضح الله لنا العلاج ، في أكمل صورة ، وأيسر سلوك ، فقال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )