موضوع: قصة عظيمة في تيسير الزواج الأحد 24 فبراير 2013, 3:30 pm
كان لسيدنا سعيد بن المسيب العالم الجليل وإمام الحضرة النبوية ، كان له ابنة مؤمنة ذاع صيتها وشاع أمرها وذلك لشدة إيمانها وكثرة عملها بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) . ولما علم بها هشام بن عبد الملك وكان أميراً للمؤمنين أراد أن يخطبها لولده وولي عهده فأرسل رسولاً إلى أبيها في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليبلغ سعيد بن المسيب رغبة أمير المؤمنين في ذلك ـ فما كان من سيدنا سعيد إلا أن قال لهذا الرسول : أبلغ أمير المؤمنين أني رافض لهذه الخطبة ... قال له رسول أمير المؤمنين : ولماذا ؟ قال سيدنا سعيد : لأن ولي عهد أمير المؤمنين رجل غير محمود السيرة ، فلجأ رسول أمير المؤمنين أولاً إلى أسلوب الترغيب ، فقال له : أترفض الملك والعز والجاه والغنى والمال ، أترفض ملك أمير المؤمنين ، فكان رد سيدنا سعيد على تلك المقالة أن قال : إذا كانت الدنيا كلها عند الله لا تساوي جناح بعوضة فكم يكون ملك أمير المؤمنين في جناح هذه البعوضة … ؟ فلجأ رسول أمير المؤمنين إلى أسلوب الترهيب ، فقال له : إني أخشى عليك بطش أمير المؤمنين . فقال سيدنا سعيد : إن الله يدافع عن الذين آمنوا وبعد ذلك جلس سيدنا سعيد ليقرأ درس العصر بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان من تلاميذه في الدرس شاب ورع تقي يدعى أبا وداعة وكان غاب عن درس سعيد لم يحضره ثلاثة أيام ، فلما رآه سعيد قد حضر سأله أين كنت يا أبا وداعة ؟ قال : يا سيدي لقد توفيت زوجتي إلى رحمة الله وشغلني عنك ذلك ، فمعذرة لله ولك ، فقال له سيدنا سعيد : فهلا أخبرتنا حتى نشاطرك العزاء ؟ قال : يا سيدي تركتك لتؤدي دعوة الله لجماعة المسلمين فذلك أولى وأحق من أن تشغل بي ، فشكره سيدنا سعيد على هذا الفهم الكريم ثم قال له : وهل بنيت بغيرها … أي هل تزوجت بأخرى ؟ قال : لا ، يا سيدي ، فقال له سعيد : ولماذا ؟ أما علمت أن الله تعالى يكره لأحدنا أن يبيت ليلة من غير زوجة فإنه إن بات ليلة من غير زوجة بات الشيطان يساوره … فقال أبو وداعة : ومن يزوجني يا سيدي وأنا لا أملك من الدنيا إلا ثلاثة دراهم ؟ فقال له سيدنا سعيد : (أنا) . يقول أبو وداعة : فما أن سمعت من سيدنا سعيد كلمة (أنا) حتى قلت لنفسي : ترى ماذا يقصد الشيخ لعله يقصد أن يساعدني ببعض المال لأجد زوجة تناسب مالي وأنا رجل فقير لا ملك عندي ولا مال لي أو لعله يريد أن يبحث لي بطريقته عن امرأة فقيرة ترضى بأن تتزوجني ، يقول أبو وداعة : وبينما أنا في سبحات أنا وكأن كل شيء في الوجود حتى الملائكة السماء والفراديس تغني وتنشد أنشودة هي أنا … حتى رأيت سعيد رضي الله عنه يده في يدي على مرأى ومسمع من الحاضرين بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم يسمي الله ويثني عليه ويصلي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم يقول : اشهدوا جماعة المسلمين أن سعيد بن المسيب قد زوج كريمته فلانة لأبي وداعة على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وعلى مهر قدره ثلاثة دراهم ثم ختم بالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتمنى لنا التوفيق والرشاد . وبعد ذلك جلس سيدنا سعيد يشرح معنى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً .. ومن تزوج امرأة لجمالها لم يزده الله إلا دناءة … ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا ذلاً … ومن تزوج امرأة لدينها بارك الله له فيها وبارك لها فيه " . وأنهى سعيد رضي الله عنه درسه وعاد إلى داره فوجد ابنته تقرأ في كتاب الله من سورة البقرة قول الله تعالى : ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، فوقفت عند هذه الاية وقالت تسأل والدها : يا والدي لقد عرفنا أن حسنة الآخرة هي الجنة فما هي حسنة الدنيا ؟ فقال لها : يا بنيتي حسنة الدنيا هي الزوجة الصالحة للزوج الصالح ولقد من الله عليك اليوم بزوج صالح فهيا تجهزي لتزفي إليه ، وبينما كان أبو وداعة في داره يعد لطعام إفطاره من صيام وإذا بالباب يطرق يقول أبو وداعة . قلت : من الطارق ؟ قال : سعيد . يقول أبو وداعة : لقد ظننت أن أي سعيد قد يطرق بابي في تلك اللحظة إلا سعيد بن المسيب فقمت لأفتح الباب وأنا على وجل وخوف لعل الشيخ قد راجع نفسه في الأمر أو لعل العروس قد رفضت الزواج مني … ولكني حينما فتحت الباب إذا بسيدنا سعيد ومعه كريمته مجلاة في ثوب عرسها ومعها الفتيات يحملن الهدايا من خيرات الله تعالى ـ قال أبو وداعة : فقلت : ما أعجلك يا سيدي ؟ قال : ألم أقل لك : إن الله تعالى يكره لأحدنا أن يبيت ليلة من غير زوجة حتى لا يساوره الشيطان يا أبا وداعة ، هي زوجتك بارك الله لك فيها وبارك لها فيك ، وانصرف سعيد رضي الله عنه وبقيت العروس في بيت جل من أهل الجنة زوجها . يقول أبو وداعة وكنت قد أحضرت طعاماً لأفطر عليه وهو إدام من فول وزيت وقرص من شعير وكوب من الماء القراح . قال : فعمدت إلى هذا الطعام فواريته بعيداً عن نظر العروس حتى لا يقع أول ما يقع على هذا الطعام المتواضع ثم صعدت إلى سطح داري وناديت : يا فلان ويا فلان فأطل علي بعض جيراني وقالوا : ماذا تريد يا أبا وداعة ؟ قلت : أشهدكم أن سعيد بن المسيب قد زوجني كريمته وإنها لفي داري منذ الليلة وذلك حتى لا يظن أحد بي السوء إذا سمع صوت امرأة معي في الدار ـ فقال بعضهم لي : أتهزي يا أبا وداعة … وقال البعض الاخر : لقد جن أبو وداعة ، كيف يزوجك سعيد كريمته التي رفضها لولي عهد أمير المؤمنين . قلت : والله لقد أنجز الشيخ وعده وإنها لفي داري بشحمها ولحمها ، فأرسل الرجال من الجيران بنسائهم ليستطلعوا الأمر فوجدن العروس في بيتي حقاً فعدن إلى رجالهن وأقسمن لهم بأن كريمة سعيد باتت عروساً لأبي وداعة حقاً . فحضر الرجال والنساء جميعاً إلى داري وقام النساء بزفاف العروس ، وقام الرجال بزفافي إليها في فرح إسلامي جميل لا يسوده لهو ولا لعب . قال أبو وداعة : ثم انصرف الجميع إلى ديارهم مشكورين من الله ومني ، وأمضيت مع عروسي أسبوعاً كاملاً كأني في الجنة … !! . وبعد أن انقضى الأسبوع استأذنتها للخروج ، فقالت إلى أين ؟ قلت : لأحضر درس سعيد … فقالت لي العروس : اجلس هنا أعلمك علم سعيد . وهكذا نرى المؤمنين والمؤمنات لا يقيمون لهذه الدنيا وزناً ولا قيمة إلا في عمل فيه مرضاة الله ولرسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) .