قامت الهواتف المحمولة بتغيير
شكل العالم وأثرت تأثيراً جذرياً في حياة البشرية بداية من القرن الواحد
والعشرين، فلم ينحصر إستخدامه من أجل المكالمات الهاتفية فقط، بل تعدى ذلك
فأصبح مزود بتليفزيون وكحاسب للدخول على الإنترنت ولإرسال الرسائل القصيرة،
والرسائل المصورة ولعرض الأفلام والاستماع للموسيقى ولمتابعة محطات
الراديو والتلفاز، وللترفيه والألعاب، والدخول إلى الحسابات المصرفية
وتحويل الأموال ودفع المشتريات، وغيرها الكثير من التطبيقات التكنولوجية
التي لم يكن مخطط لها عند اختراع هذه الوسيلة المدهشة للاتصال .
البداية من عام 1972 تمكن الباحث مارتن كوبر في شركة موتورلا من اختراع أول
هاتف نقال وعرف باسم (( الهاتف الحذاء )) ، ويعتبر هذا الهاتف، الجد الأول
لكافة الأجهزة النقالة في العالم، ويتميز ذلك الهاتف بكبر حجمه وطول هوائي
الإرسال والاستقبال المثبت عليه، ومنذ ذلك التاريخ، توالت عمليات التطوير
والتحديث لهذه الأجهزة، ففي عام 1987 طورت شركة نوكيا هاتفها النقال
المعروف باسم Cityman ، وفي تلك الأثناء كانت شركة موتورلا تجري تجاربها
لتحديث أجهزتها وتصغير حجمها.
وفي النصف الثاني من عقد التسعينيات
للقرن العشرين، نجحت العديد من الشركات في تصنيع أجهزة اتصال نقالة خفيفة
الوزن وذات كفاءة اتصال عالية، ورافق ذلك تطور شبكات الاتصال الخلوية
وانتشار العديد من الشركات المتخصصة في تأمين تلك الخدمة ، وخلال فترة
زمنية قصيرة، انتشرت هذه الأجهزة في شتى أنحاء العالم، وانخفضت بشكل حاد
أسعار المكالمات الخلوية في العديد من الدول.
وساعد على انتشار الهواتف
النقالة، تلك الخدمات التي أصبحت مدمجة في هذه الأجهزة، كخدمة الرسائل
النصية القصيرة SMS والتي بدأت بشكل تجاري في عام 1995 ، هذا علما بأن أول
رسالة نصية قصيرة تم إرسالها بين هاتفين نقالين كان في ديسمبر من عام 1992،
أيضا فقد انتبه الكثير من المصنعين إلى أهمية الخدمات المدمجة في الهواتف
النقالة ، فها هي شركة شارب العالمية تدخل أول كاميرا رقمية في هواتفها
وذلك في نوفمبر عام 2000 ، ثم توالت بعد ذلك التحسينات والتطويرات ، حتى
باتت ساحة الهواتف النقالة مسرحا تتسابق فيه كبريات شركات التكنولوجيا
العالمية ، فها هي شركة موتورلا وشركة أبل تطوران هاتفهما النقال المشترك
والذي يتيح إمكانية استخدامه كمشغل للموسيقى ipod ، بحيث يمكن المستخدم من
تحميل ما يشاء له من الموسيقى من شبكة الإنترنت وتخزينها في جهازه
والاستماع لها متى رغب في ذلك ، وفي المقابل طورت شركات أخرى خدمة الرسائل
اللحظية Instant Messaging وخدمة البلوتوث ، كما أدخلت خدمة الهاتف
التلفزيون في عام 2005 في العاصمة الفنلندية ، وفي مكان آخر من العالم
وتحديدا في كوريا الجنوبية ، تم تطوير خدمة تحميل الأفلام المرئية على
الهواتف النقالة وقراءة عناوين الصحف ، وفي اليابان كان العمل جاريا لتطوير
شريحة فيليكا لتدمج في الهواتف النقالة والتي تتيح لمن يستخدمها خدمات
متنوعة ، كخدمة دفع المشتريات وحجز تذاكر الطائرات والقطارات والوصول إلى
حسابك البنكي وتحويل الأموال بدقة وسرعة عالية حول العالم ، وفتح أبواب
منزلك ، وتشغيل سيارتك عن بعد ، وغيرها الكثير من الخدمات التي يصعب حصرها .
هذه التطورات التكنولوجية المذهلة ، فتحت المجال واسعا أمام المصنعين
والتقنين إلى إقحام الهواتف النقالة في جميع مناحي الحياة ، فها هي شركة
نوكيا تطرح في عام 2002 هاتفها النقال من طراز N – Gage والذي يحتوي على
باقة مدهشة من الألعاب الحاسوبية عالية الدقة ، وفي الجانب الآخر من العالم
وبالتحديد في معهد ماساتشوشتس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية ،
طور الباحثون فيه هواتف نقالة قادرة على التعرف على أنماط سلوك أصحابها
ومزاجهم لذلك اليوم ، معتمدين في ذلك على تقنية الذكاء الصناعي .
أيضا
فان من أحدث وأهم الخدمات التي أدخلت على الهواتف النقالة ، إمكانية الدخول
إلى شبكة الإنترنت وتصفح البريد الإلكتروني وإرسال واستقبال رسائلك
الإلكتروني بكل سهولة ويسر من خلال شاشة هاتفك النقال ، ومؤخرا أدخلت خدمة
Mobile Blog ، وعن طريقها يمكن إجراء عمليات التدوين في المدونات المختلفة
ونشر مقالاتك وأفكارك الخاصة في لحظات ،والتعليق على ما يستجد من مواضيع
وأخبار في المدونات المختلفة.
إن تنوع الخدمات التي تقدمها الهواتف
النقالة ، أهلتها لأن تكون في المرتبة الأولى من قطاع الاتصالات عالميا ،
وقد دلت الدراسات أن شركة نوكيا – مثلا – تسيطر على حوالي 30% من سوق
الهواتف النقالة عالميا ، وأنها باعت حوالي 1.5 مليار هاتف في عام 2005 ،
وتؤكد الدراسات التي أجريت في عام 2006 أن حجم مبيعات الهواتف النقالة قد
تضاعف عدة مرات ، وطبقا لمجلة Fortune فان الأمريكيين قد تحدثوا عبر
هواتفهم النقالة لأكثر من 17 مليار ساعة في عام 2006 ، وفي المقابل توقعت
مجلة State الأمريكية ، انه بحلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين
فان الهواتف الثابته التقليدية سوف تنقرض وتصبح من مخلفات القرن الماضي.