موضوع: أجمل ما قيل عن لذة العبادة وأسباب تحصيلها الجمعة 24 أغسطس 2012, 5:20 pm
إن طيب النفس، وسرور القلب وفرحه، ولذته، وابتهاجه، وطمأنينته، وانشراحه، ونوره، وسعته، وعافيته، لهي ثمرة من ثمار العبوديةلله - تعالى -، فما ينتاب الشعورُ بالطمأنينة والسكينة والراحة العبدَ بعد تأديته العبادة والطاعة؛ لعمري إنها جنة الدنيا ورياضها التي أخبر عنها نبينا - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر))، وقال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)).
قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "... فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له، لم يكن شيء قط عنده أحلى من ذلك، ولا أطيب، ولا ألذ" [العبودية - (1 / 25)].
وهذه اللذة والراحة بالعبادة والأنس بها وجدها الكثير من الصالحين، حتى قال بعضهم عما يجده من لذة للعبادة والطاعة: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، لاسيما وأن ثمة لحظات تمر على العبد يجد فيها بغيته من السعادة والطمأنينة، حتى قال بعض السلف: إنه يمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب!.
وليس النعيم خاصاً بالجنة وحدها، نعم نقول: إنه من خصائص الجنة التي لا يشوبها هم ولا كدر، بخلاف الدنيا فإنها مزيج ما بين الراحة واللغوب، فالجنة لا تجمع النعيم إلى جانب بعض المنغصات التي تطرأ على الحياة الدنيا. قال بعض الصالحين: إن في الدنيا جنة هي في الدنيا كالجنة في الآخرة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
قال ابن القيم عند قوله - تعالى -: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار: 13 ـ 14]... ولا تظن أن قوله - تعالى – (إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم) يختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الرب - تعالى -، ومحبته، والعمل على موافقته!، وهل عيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟ [الجواب الكافي - (1 / 84)].
وقال عن عبادة الذكر: "إن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء، فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر، والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به، ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة، قال مالك بن دينار: وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله - عز وجل -، فليس شيء من الأعمال أخف مؤونة منه، ولا أعظم لذة، ولا أكثر فرحة وابتهاجاً للقلب". [الوابل الصيب - (1 / 110)].
وقال: "... وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إنما تذم إذا أعقبت ألما أعظم منها، أو منعت لذة خيراً منها، وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة، وهي لذة الدار الآخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله كما قال الله - تعالى -: (وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [العنكبوت: 56 ـ 57] وقال - تعالى -: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) [يوسف: 12] وقال - تعالى -: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 16 ـ 17] وقال - تعالى -: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 29 ـ 64] وقال العارفون بتفاوت ما بين الأمرين: "وأما اللذة التي لا تعقب ألماً في دار القرار، ولا توصل إلى لذة هناك فهي لذة باطلة، إذ لا منفعة فيها ولا مضرة، وزمنها يسير ليس لتمتع النفس بها قدر، وهي لا بد أن تشغل عما هو خير وأنفع منها في العاجلة والآجلة وإن لم تشغل" [روضة المحبين - (1 / 161)].
وليس ما يجده العبد من الأنس والسعادة في العبادة واللذة الممنوحة جراء تلك الطاعة، ويهرع إليها عندما تدلهم عليه الهموم والأحزان من الشرك في شيء، بل هو عين التأويل لنصوص الوحي، حيث قد ثبت كثير منها التي تحث على ما يزيل الهموم والأحزان، وتبعد الأمراض والأسقام، من الأدعية والأذكار، وتكون تعبدية يُقصد بها رضى الله - تعالى - والدار الآخرة.
وثمة فرق بين من يجعل الأمور التعبدية للانتفاع الجسدي الخالص كمن يصوم للصحة، يصلي للرياضة؛ فهذا غير الذي يمكن أن تطرأ عليه الوسواس في ذلك، فالأول ليس له حظ من هذه العبادة، بخلاف الثاني فإنه خاطر ووساوس يدفعه بالإخلاص والاستمرار على تلك العبادة، فإنه ما قصد بها إلا الله ثم البحث عمَّا يسعده في الدارين.
ومما يجدر التنبيه عليه: أن العبد إذا شعر بالراحة عقب الطاعة والعبادة عليه أن يتذكر ذلك النعيم المقيم، واللذة التي لا تنقطع في دار الخلد، فهذا أحرى أن لا ينجر وراء وساوسه وشكوكه، فتجعله يركن إلى الدعة، ويتوانى عن الطاعة.
الكـاتب : فضل محمد البرح موقع المختار الإسلامي
وبلوغ ما بلغه السلف في هذا المجال يحتاج إلى بذل أسباب بذلوها وسلوك سبيل سلكوها:
أولها: مجاهدة النفس:
وتعويدها العبادةوالتدرج فيها، ولابد من الصبر في البدايات على تعبالعبادات وحمل النفس عليها تارة وتشويقها إليها أخرى حتى تذوق حلاوتها؛فالتعب إنما يكون في البداية ثم تأتي اللذة بعدُ كما قال ابن القيم: "السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف ومشقة العمل لعدم أنس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت قرة عين له وقوة ولذة". وقال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة.
وقال بعضهم: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فمازلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك. والأمر كما قال ربنا تعالى:
بكل أنواعها ، وعلى اختلاف صفاتها وأحوالها ، والتنويع فيها حتى لا تمل النفس ، وحتى تقبل ولا تدبر، فتارة نوافل الصلاة، وتارة نافل الصوم،والصدقة ، والبر والصلة فإن كثرة النوافل تورث محبة الملك سبحانه كما في الحديث القدسي:" وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه".
ثالثها: صحبة المجتهدين وترك البطالين :
فمن بركة صحبة أهل الصلاح: الاقتداء بهم، والتأسي بحالهم، والانتفاع بكلامهم، والنظر إليهم. قال جعفر بن سليمان: "كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع كأنه وجه ثكلى". (وهي التي فقدت ولدها). وكان ابن المبارك يقول: "كنت إذا نظرت إلى وجه الفضيل بن عياض احتقرت نفسي". وقد قالوا قديما من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه.
رابعها: تدبر القرآن :
خصوصًا ما يتلى في الصلوات، فإن في القرآن شفاءً للقلوب من أمراضها،وجلاءً لها من صدئها، وترقيقا لما أصابها من قسوة، وتذكيرًا لما اعتراها من غفلة، مع ما فيه من وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، وبيان أحوال الخلق بطريقيهم أهل الجنة وأهل السعير، ولو تخيل العبد أن الكلام بينه وبين ربه كأنه منه إليه لانخلع قلبه من عظمة الموقف، ثم يورثه أنس قلبه بمناجاة ربه، ولوجد من النعيم ما لا يصفه لسان أو يوضحه بيان.
وفي الحديث القدسي عند مسلم: "قسمت الصلاة بين وبين عبدي نصفين. ولعبدي ماسأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبديوإذا قال؛ الرحمن الرحيم. قال الله تعالى؛ أثنى علي عبدي. وإذا قال مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي (وقال مرة: فوض إلي عبدي) فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"... فهذا مثال وعلى مثلها فجاهد.
خامسها: الإكثار من الخلوة بالله تعالى :
فيتخير العبد أوقاتًا تناسبه في ليله أو نهاره، يخلو فيها بربه ، ويبتعد فيها عن ضجيج الحياة وصخبها، يناجي فيها ربه، يبث له شكواه، وينقل إليه نجواه، ويتوسل فيها إلى سيده ومولاه. فلله كم لهذه الخلوات من آثار على النفوس، وتجليات على القلوب؟!
وقد قيل لبعض الصالحين لما أكثر الخلوة: ألا تستوحش؟ قال: وهل يستوحش مع الله أحد؟!! وقال آخر: كيف أستوحش وهو يقول: وأنا معه إذا ذكرني؟!
فليتك تحلو والحياة مريرة .. .. .. وليتك ترضى والأنام غضابوليت الذي بيني وبينك عامر .. .. .. وبيني وبين العالمين خرابإذا صح منك الود فالكل هين .. .. .. وكل الذي فوق التراب تراب
سادسها: ترك المعاصي والذنوب
فكم من شهوة ساعة أورثت ذلا طويلا، وكم من ذنب حرم قيام الليل سنين، وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة، ويكفي هنا قول وهيب ابن الورد حين سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: لا.. ولا من هم.
فأعظم عقوبات المعاصي حرمان لذة الطاعات وإن غفل عنها المرء لقلة بصيرته وضعف إيمانه أو لفساد قلبه.. قال ابن الجوزي : "قال بعض أحبار بني إسرائيل : يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ فقيل له : كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟
وأخيرا: الدعاء :
فهو سبيل الراغبين، ووسيلة الطالبين، الشفيع الذي لا يرد، والسهم الذي لايطيش.. فمتى فتح لك منه باب فقد أراد الله بك خيرا كثيرا.. فارفع يديك لمولاك واضرع إلى ربك بقلب خاشع وطرف دامع وجبهة ساجدة، مع قصد وتوجه وتحرق وتشوق وتعلق بالذي لا يخيب مؤمله ولا يرد سائله أن يمن عليك بلذة العبادات ويملأ بها قلبك ونفسك وروحك. فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه.. وفي المسند: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين".