توصل فريق من الباحثين الأميركيين إلى اكتشاف الارتباط بين ظاهرة الاحترار الكوكبي والتغيرات المناخية المترافقة معه وبين سلوك بعض أنواع النباتات التي تزداد عدوانية وشراسة بفعل هذه التغيرات في وتائر وأنماط مناخ الكرة الأرضية.
أجرى الدراسة باحثون في علم النبات من جامعة ولاية دلاوير القريبة من العاصمة واشنطن، ونشرت حصيلتها في الدورية المتخصصة "سلوك وإشارات النبات".
تناولت هذه الدراسة ظاهرة نباتية لافتة، حيث رصدت نزوع بعض النباتات إلى سلوك أكثر عدوانية تجاه نباتات أخرى موجودة بنفس البيئة، بسبب زيادة تعرّض الأولى للأشعة فوق البنفسجية، وهذا بدوره ناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها انبعاث مزيد من غازات الكربون الناجمة عن توليد الطاقة بواسطة حرق الوقود الأحفوري من الفحم ومشتقات النفط.
خلص الباحثون إلى أن التعرض الزائد لكميات من الأشعة فوق البنفسجية، يساهم بطريقة أو أخرى في تصاعد شراسة نباتات الفراغمايتيز Phragmites australis، وتعرف بالعربية باسم "لسان المزمار"، وتغوِّلها ضد نباتات أخرى تعيش في محيطها الطبيعي، علاوة على زيادة درجة سمية نباتات "لسان المزمار".
وكان فريق بحث جامعة دلاوير قد توصل في دراسة سابقة إلى أن هذا النوع من النباتات البرية يفرز مادة حمض الغاليك (Gallic acid)، وهي مادة معروفة في عالم الصناعة، حيث أنها تستخدم في دباغة الجلود وصناعة الأحبار وغيرها من منتجات الأصباغ. بيد أن نباتات لسان المزمار تنتج أو تفرز حمض الغاليك لتسمم وبالتالي تقتل النباتات الأخرى التي تشاركها نفس المحيط الذي تستوطنه، وبذلك تستحوذ على مساحات وجودها، فيزداد بذلك انتشارها.
من ناحية أخرى، وجد الباحثون أن زيادة الأشعة فوق البنفسجية، كأحد مظاهر أو نتائج الاحتباس الحراري والاحترار، وتعرّض نباتات لسان المزمار لها يؤدي إلى زيادة إفرازاتها من حمض الغاليك، يؤدي في المحصلة النهائية إلى ازدياد وتفاقم التأثيرات السلبية المدمرة لذلك الحمض على النباتات الموجودة في نفس المحيط.
والحقيقة أن دلالة هذه الدراسة هي في قدرتها على الإجابة عن تساؤلات دائرة حول تأثيرات تزايد الأشعة البنفسجية، ذات الصلة بظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار الكوكبي، فيما يتعلق بمختلف صور الحياة والتنوع الحيوي، كما في الحياة النباتية، وخاصة بعض النباتات والأعشاب دون غيرها، حيث تؤدي التغيرات المناخية إلى استفحالها وتغولها، فيتوسع انتشارها ومساحات وجودها على حساب نباتات وأعشاب أخرى.
والمعروف علمياً أن عشبة لسان المزمار من أنواع النباتات التي يمكنها النمو على طول السنة، رغم اختلاف الفصول، ويصل نموها إلى ارتفاعات بالغة نسبياً فتبلغ حوالي 5 أمتار تقريباً، ويحدث ذلك على حساب البيئات التي تستوطنها، مثل البيئات ذات الرطوبة المرتفعة وضفاف البحيرات والأنهار، نظراً لنزوعها إلى الاستفحال على حساب غيرها من النباتات والأعشاب.
الجدير بالذكر أن حمض الغاليك أحد الأحماض العضوية المعروفة، ويتواجد في عدد من الأشكال النباتية مثل نبات السماق وأوراق الشاي وأشجار البلوط، وهو قوي التأثير ويستخدم في عدد من الأغراض الطبية مثل صناعة الأدوية أو العلاجات المقاومة لفطور الجلد وعدوى الالتهابات البكتيرية.
تهديد التنوع الحيوي بجزر غالاباغوس
يقع أرخبيل جزر غالاباغوس في المحيط الهادي قبالة سواحل أميركا الجنوبية، وهي سياسياً تتبع جمهورية الإكوادور. تتميز جزر هذا الأرخبيل بتنوعها الحيوي البري الهائل، ويقطنها عدد من الأنواع البرية النادرة.
بيد أن هذه الحيوانات أصبحت معرضة مؤخراً لتهديد حقيقي بسبب حشرات البعوض الموجودة في هذه الجزر منذ آلاف الأعوام، بحسب دراسة أعدها فريق بحث من علماء جامعة ليدز البريطانية وجمعية علم الحيوان في لندن.
يشير العلماء الذين يدرسون هذه الظاهرة بأصابع الاتهام إلى تزايد حركة السياح والمسافرين إلى هذه الجزر الجميلة، باعتبارها وسيلة الانتقال أو الوسيط الذي يحمل مزيداً من سلالات البعوض إلى أرخبيل غالاباغوس. يتحسب هؤلاء الباحثون من احتمال أن تلتقط حشرات البعوض المستوطنة منذ القدم آفات مستجدة من حشرات البعوض الوافدة إلى الأرخبيل والواردة بالسفن والطائرات، على نحو أو آخر، وبذلك تنتقل أمراض جديدة تهدد هذه الأنواع النادرة من حيوانات غالاباغوس.
من ناحية أخرى، تبدو بعوضة مستنقعات الملح السوداء المستوطنة في جزر أرخبيل غالاباغوس بعوضة غير عادية على نحو ملحوظ، لأنها تستطيع أن تتغذى على دم الزواحف والثدييات والطيور. بيد أن مصدر الخطورة في تنوع غذاء هذه البعوضة أنها قد تنقل عدوى أمراض وافدة إلى الأرخبيل، مثل حمى غرب النيل، إلى طيور وزواحف غالاباغوس نادرة النوع كالسلاحف العملاقة والإيغوانات البحرية وطيور الغاق المائية.
علاوة على ذلك، وبخلاف البعوض المستوطن في مناطق اليابسة بأميركا الجنوبية، والتي يقتصر استيطانها على أشجار المنغروف الاستوائية والمستنقعات المالحة الساحلية، وجد العلماء أن بعوضة غالاباغوس قد أصبحت قادرة على التكيف واستيطان المواقع الداخلية والتكاثر فيها، وعلى ارتفاعات عالية، وهذا يوسع نطاق انتشارها بمختلف جزر الأرخبيل.
ولفت الباحثون إلى وجود نوعين أو سلالتين أخريين من البعوض وفدتا مؤخراً إلى جزر غالاباغوس، لكنهما لا يعيشان خارج المراكز الرئيسة كما يبدو، وهذا بدوره يعني أنهما أقل خطراً على الحياة البرية والتنوع الحيوي بالأرخبيل.
رصدت الدراسة تصاعد عدد الرحلات والزوار الوافدين إلى جزر أرخبيل غالاباغوس، من حيث انتقال سلالات بعوض اليابسة الحامل لأمراض الحياة البرية هناك وتكاثره، وقد انتشر بالفعل مرض حمى غرب النيل قادماً من الأميركتين.
يحذر العلماء من وصول مرض جديد آخر بهذه الطريقة، حيث يُخشى من أن يلتقطه بعوض غالاباغوس، ومن ثم ينتشر في مختلف الجزر عبر هذا المسار. وأشاروا إلى أنه بدلاً من مراقبة بعوض الجزر فحسب، ينبغي أن تخصص جهود باتجاه منع انتقال بعوض الييابسة.