موضوع: هل أبناؤنا بأيدٍ أمينة؟! الخميس 09 أغسطس 2012, 2:22 pm
من المسؤول عن الصحة المدرسية في مدارس أبناءنا؟ وهل يقوم الأطباء في تلك المدارس بالدور المطلوب منهم بالفعل؟ وما الاحتياجات الأساسية للطلاب طبياً؟ وما رأي الأهل والمدرسين وإدارات المدارس بتلك الوحدة، التي تنتشر في غالبية المدارس؟ في هذه السطور التالية، قد نجد الإجابة عن بعض التساؤلات، من خلال حوارات وأسئلة طرحناها في عدة مدارس من دول عربية مختلفة، لنفتح ملفاً لطالما غاب عن أعين الأهل والمراقبين، حتى وصل الأمر بالكثيرين إلى نسيان وجود مثل هذه الأقسام المهمة في المدارس. خاصة وأن الاهتمام بالصحة المدرسية مسألة ملحة لأنها استثمار للمستقبل في أبناء وبنات الوطن إذا ما تلافينا المشكلات الصحية منذ البداية وعودنا الجيل الجديد على العادات الصحية السليمة. دور غائب دائماً: سلوى جميل (مديرة مدرسة الرواد الأهلية بجدة) تعبر عن صورة منتشرة بشكل واسع بين الإدارات حول الصحة المدرسية ودورها الغائب، تقول: "إن دور الصحة المدرسية محدود جداً، والعلاقة بيننا مجرد أوراق لا غير تتمثل في صور مراسلات. وعلى الرغم من أننا في مدرسة تعتمد على التعليم الكتروني إلا أننا نجد صعوبة شديدة في التواصل مع المواقع الإلكترونية للصحة".
وتلفت الأستاذة سلوى جميل إلى موضوع آخر يجب أن يكون من أهم مسؤوليات قسم الصحة المدرسية، وهو الاهتمام بالوجبات الغذائية، حيث تقول: "بالنسبة للوجبات أتمنى من الصحة المدرسية أن تهتم أكثر بها فالوجبات التي تقدم غير صحية، لذا فإني أرى أن الصحة المدرسية لا تؤدي دورها المطلوب على الرغم من أهميتها لأنها تستهدف صحة الأطفال بالمرحلة الابتدائية والتي تتميز بالنمو والتطور والتي تعد مرحلة تأسيس ومرحلة المراهقة التي تزداد فيها بعض المشكلات الصحية، وبإرساء العادات الصحية لدى هاتين الفئتين نضمن وضع صحي أفضل لهم في المستقبل ورفع صحة الفرد بشكل عام في المجتمع".
الصحة المدرسية بعيون الطلاب: يقول طارق أيوب (طالب بمدرسة الثورة الابتدائية بمصر): إنه نادراً ما يلجأ إلى الصحة المدرسية، معتبراً أن هذه الوحدة العلاجية لا تؤدي دورها بالشكل الذي ينبغي أن تكون عليه. مضيفاً بالقول: إن هذه الوحدة العلاجية لا تسعف الطلاب إذا ما اشتكوا من آلام ألمت بهم فهي مجرد ديكور للمدرسة وكثيراً ما يتخلف الأطباء المعينين فيها عن الحضور. ويروي طارق قصته مع الوحدة المدرسية عندما تعرض لألام فجائية بالبطن في بداية الحصة الثانية، وعندما طلب كشفاً من طبيب الصحة قال: "إن حالتك الصحية جيدة"، وعليها رفض تحويلي إلى المستشفى أو مركز طبي متخصص أو حتى قطع يومي الدراسي للراحة بالمنزل". ويضيف: عندما اشتد الألم أضررت للاتصال على والدتي والتي جاءت على الفور وكشفنا بالمستشفى المجاورة للمدرسة وفوجئنا أنها زائدة دودية وأجريت عملية جراحية فورية. وينهى كلامه قائلاً: "إن التشخيص الخاطئ لطبيب الصحة المدرسية كاد أن يتسبب في موتي لو أن هذه الزائدة انفجرت فجأة".
ويقول أحمد سيد (من مدرسة الجمهورية الابتدائية بمصر):"إن الطلاب يعتمدون في بعض الأوقات على الصحة المدرسية لأن وظيفتها الأساسية تتركز في تطعيم الطلاب وإجراء بعض التحاليل الطبية، ومتابعة بعض الحالات المرضية، فضلا أنها تقوم بتحويل الحالات المرضية التي تحتاج إلى إمكانيات أكبر إلى المستشفى". ويضيف بالقول: وجود الصحة في المدارس ضرورة ملحة لأنها تقوم بدور الإسعاف الشديد المتواجد بشكل دائم وحاجة الطلاب والتلاميذ لها دائم ومستمر. وأردف بالقول: ورغم هذه الحاجة وهذا الدور للصحة المدرسية إلا أن هذه الوحدات تحتاج إلى تطوير سواء كان على مستوى الإمكانات المتاحة أو في الأطباء الموجودين فيها. وحول الإمكانيات المتاحة تقول هدى أحمد (من مدرسة الوادي الشرقي): "إن الصحة المدرسية غالباً لا يكون لها مكان في المدرسة؛ نظراً لمساحة بعض المدارس الضيقة فتتنقل من مكان لمكان آخر ولا يكون لها مقر ثابت يعرفه الطلاب. وقالت: "إن المدرسة تحمل علامات إرشادية لكل مكان فيها سوى الصحة المدرسية؛ لأن إدارة المستشفى لا تهتم مطلقا بها وتجعلها في مؤخرة اهتماماتها". وذكرت أنها أحبت زيارة الصحة المدرسية ولم تجد لها مكاناً فكان يسميها المدرسون بالصحة المعلقة؛ حيث يتواجد الطبيب فيها في أي مكان خال دون مكان ثابت. وتنهى هدى كلامها أن كثيرا من المدارس الحكومية لا يتواجد فيها وحدات صحية أو علاجية وإنما هناك وحدة صحية كبيرة تخدم على عدة مدارس وأغلب أطبائها "امتياز" أي ليس لديهم خبرة.
الصحة المدرسية تحت القصف: رغم أن مجتمعاً يعيش أزمة احتلال كمثل غزة، من المتوقع أن تتشتت جهوده بعيداً عن الاهتمام بالصحة المدرسية، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، حيث تنشط في فلسطين دائرة الصحة المدرسية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بتقديم خدماتها المتنوعة والشاملة لشريحة الطلبة في المراحل التعليمية المختلفة، وتحديداً لطلاب الصف الأول الأساسي والرابع والسابع والعاشر وذلك في مختلف المدارس الحكومية والتابعة لوكالة الغوث لتشغيل اللاجئين والخاصة ووفقاً لتقرير الوزارة السنوي لعام 2008-2009 فإن دائرة الصحة المدرسية الصحة تألقت في عملها أثناء الحرب على غزة من حيث عمدت إلى توزيع الطواقم الطبية المتوفرة لديها على أماكن الاجتياحات في مراكز الرعاية الأولية بالقطاع بالإضافة إلى تقديمها التطعيمات للطلبة في المدارس حيث قدمت 61792 جرعة من التطعيمات خلال العام الدراسي المنصرم، بالإضافة إلى عقد المحاضرات والندوات الخاصة بالتثقيف الصحي في مختلف مدارس القطاع ناهيك عن توزيع فيتامين (أ) على حوالي 47.500 طالب وطالبة في المدارس الحكومية والخاصة، وكذلك نشطت في عملية الكشف البيئي على المدارس خاصة المقاصف والفصول والمياه والصرف الصحي والساحات والملاعب؛ لضمان حياة صحية للطلبة في مدارسها الذين هم عماد المستقبل ونوره.
وحسب مراسلة موقع (لها أون لاين) من غزة، فإن هناك مشروعاً صحياً يعتمد على تحسين البيئة المدرسية ضمن برنامج الصحة المدرسية والذي تم تمويله بمشاركة من الجمعية بالإضافة إلى مساهمات أخرى طوعية بلغت58495 دولاراً بنسبة 52% من قيمة مساهمة الإغاثة الطبية وتم تنفيذه في مدارس وروضات القطاع من جنوبه إلى شماله، حيث تم تزويد بعضها بخزانات لمياه الشرب بالإضافة إلى حاويات وسلات بلاستيك ومكانس، ناهيك عن تركيب صنابير للمياه وإنشاء مشارب وكذلك بناء غرف مرحاض وتشغيلها وصيانة للنوافذ والمراجيح في رياض الأطفال أيضاً.
الأمل والعمل: ولكن يبقى الأمل أكبر من العمل، فعلى الرغم من الإنجازات التي أدلت بها الوزارة في تقريرها السنوي إلا أن الواقع يشير إلى الحاجة للمزيد من الاهتمام بأمر الصحة المدرسية. حيث أشارت إحدى مسؤولات الصحة المدرسية في أحد مدارس القطاع الحكومية وتدعي نسرين أن الخدمات الصحية التي تقدمها الحكومة تحتاج إلى المزيد من العطاء، وأضافت: "أن العائق أمام تقديم تلك الخدمات هو مادي بالمقاوم الأول، فالميزانية المخصصة لصحة المدرسية لا تتناسب مع احتياجات الطلاب في المدارس في ظل ما يعانونه من ظروف قهرية بسبب الفقر الذي فرضه عليهم الحصار المطبق على غزة، أي أن هذا يكمن في عدم وجود تمويل كاف لبرامج الصحة المدرسية، مقارنة مع الحالة في مدارس الأونروا! لافتة إلى وجود العديد من المشاريع التي تعطل بسبب عدم وجود ميزانيات كافية، ناهيك عن أن المساعدات التي توزع على الطلبة سواء الفيتامينات التي توزع أو التطعيمات لا تكون كافية لأعداد الطلبة"
ميزانيات محدودة ومطالب كبيرة: من جهتهم أرجع عدد من العاملين في المجال المدرسي بعض السلبيات إلى عدم توفر قاعدة بيانات دقيقة للاستفادة منها وقت الحاجة، كذلك فإن دور الصحة المدرسية مرتبط بميزانية معينة، ويقف دورها لعدم توفر الإمكانات المناسبة لحل بعض الأزمات. فتكدس الطلاب في الفصول بيئة غير صحية خاصة عند انتشار الأمراض المعدية كذلك مساحة الفصول الضيقة وعديمة التهوية في بعض المدارس، وعدم توفر دورات مياه كافية لأعداد الطلاب، وقلة أدوات النظافة والمعقمات. كما من الصعب توفير طبيب أو طبيبة في كل مدرسة على غرار بعض المدارس الأهلية الكبيرة التي توفر داخل المدرسة طبيبة أو ممرضة للعناية بالحالات التي تحتاج إلى متابعة، وبعض المدارس لديها مرشدة صحية والتي يعد دورها هاما في الحالات الإسعافية لحين وصول الطبيب. ونأمل أن لا يكون دور الصحة المدرسية محدوداً وروتينياً بإلقاء بعض الندوات، وإعطاء التلاميذ الإجازات المرضية. فمن المفترض أن تقوم الصحة المدرسية بعدة أدوار رئيسية، منها: نشر الوعي الصحي، وتأمين التغذية المدرسية المناسبة، وتأمين الإرشاد النفسي والاجتماعي عند الحاجة وتوفير بيئة مدرسية مناسبة.
كيف يمكن تصحيح الصورة؟ الدكتورة فوزية أحمد (طبيبة بإحدى الوحدات الصحية) تدافع عن دور الصحة المدرسية بالقول: "إن البعض يفهم دور الصحة المدرسية خطأ، وبالتالي يتهمها بالتقصير تارة ويتهمها بالتسيب تارة أخرى. واعتبرت الإمكانات عائقا كبيراً أمام تأدية هذه الوحدة دورها، فضلاً عن عدم وجود رغبة ملحة في الارتقاء بالوحدات الصحية؛ لأن البعض يرى أن دورها مكمل وليس أساسي. وأضافت: الصحة المدرسية تقدم العديد من الإرشادات لإدارات المدارس للحفاظ على صحة الطلاب؛ غير أن كثيرا من إدارات هذه المدارس لا تلقي لهذه الإرشادات بالا، ويضاف لذلك عدم تعاون المدرسين أنفسهم في الإبلاغ عن الحالات المرضية لبعض التلاميذ. وأنهت كلامها بضرورة تفعيل الوحدات الصحية بالمدارس حتى يكون لها دور ملموس وأن يعود هذا الدور في النهاية على الطلاب والطالبات وبالتالي يسلم أبناءنا من كل سوء. ومع غياب المتابعة الدائمة من قبل الوزارة للوحدات الصحية، تصبح كل وحدة صحية في كل مدرسة حالة خاصة بذاتها، ترتقي بعملها، أو تهبط به بحسب الإدارة المدرسية، وبحسب القائمين عليها. لذلك فإن ما يمكن التنبيه إليه هنا هو "التقوى" التي يجب أن تكلل كل جهود العاملين في مجالات الأطفال، تعليمياً وتربوياً وصحياً.