الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد فإن شهر الله تعالى رمضان مدرسة بكامل فصولها ، يتعلم الإنسان في شهر واحد ما يمكن أن تقدمه المدرسة النظامية وتعمقه في نفوس طلابها في سنوات ، وها أنا واحد من أولئك الطلاب ما زلت من سنوات أكتب بعضاً من فصول ومهارات وآثار تلك المدرسة إلى اليوم ولم أنته بعد ! بل أجدني في كل عام أتيت على ما أريد أن أكتب فيه ، وما أن تفتح لي هذه المدرسة فصولها من أول يوم إلا وتتداخل في فكري كثير من الأفكار والمهارات والآثار الجديدة التي أحتاج إلى تعلمها ودراستها والاستفادة منها ، وها أنذا تحت هذا العنوان أكتب بعضاً مما علمتني هذه المدرسة من مفاهيم كبرى في حياة الإنسان ليس في ذات الشهر فحسب ، وإنما في عالم الحياة ورحلتها الكبرى في الأرض :
من هذه المفاهيم التي تعلمتها من خلال هذه المدرسة : عظمة الفرصة في حياة الإنسان ، وأن الفرص تقدم للإنسان أرقى ما ينتظره من خير وأوسع ما يريده من بركة في لحظة أو لحظات من الزمن .. وأن الإنسان حين يستعد لاستقبال هذه الفرص ويدرك آثارها ، ويرتّب حياته لاستثمارها سيكون في عداد الكبار في لحظة من لحظات الزمن ، ومدرسة رمضان تثير فرصاً كبرى في حياة الإنسان وليست فرصة ، وتجعله في خلال شهر واحد صفحة بيضاء من الخطيئة ، وورقة مثمرة من الحسنات ، وتكتب على كل خطواته السابقة مهما كانت أوذارها رحلة جديدة وحياة كبيرة ، ترى هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وفي قوله صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وفي قوله عليه الصلاة والسلام " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " إنك حين تتأمل في مدرسة الحياة كلها قد لا تظفر فيها أحياناً إلا ببضع فرص مهما امتدت بك الحياة وطال بك الزمن ، وترى مفهوم الفرصة في رمضان يلبس أوسع صوره ، ويخرج بهيجاً يتلقى الإنسان في كل طريق ويهبه روحه ومعناه وأثر ه .. ولم أر مفهوماً يلبس ثوباً فضفاضاً كبيراً في فترة وجيزة كما أرى هذا المفهوم في فترة قصيرة من حياة الإنسان. . لكن مشكلتنا الكبرى أننا لا نحسن قراءة هذا المفهوم في أحيان كثيرة قراءة المتتبع للفرص ، المستثمر لها ، المشمر إليها ، الناظر لها بروح الإعجاب والانتظار فتفوتنا لأجل ذلك ، وتذهب من حياتنا ونحن لم نحتف بها احتفاء المحبين ، وتغادرنا دون أن نتلفّت لها ، أو حتى نستشعر رحيلها من حياتنا .
علمني رمضان أن أقرأ هذه الفرص بعين عكاشة بن محصن وبروحه ومبادرته حين دفعه استثمار هذا المفهوم لعناق الجنة يوم القيامة دون حساب ولا عقاب ، وقام غيره يود اللحاق ويلهث من أجل الوصول فما وجد إلا عوارض الطريق . . إنني أدرك أن مشكلة الفرصة أنها تأتي في لحاف العمل ، وتحاول أن تقدم عليك وهي متدثرة به متعثرة في أعطافه ، فتأتيك هنا في حديث نبيك صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيماناً واحتساباً " وتطلب منك دقة الإخلاص لله تعالى ، وروائع تلذذه ، ورؤيته أثناء الجوع والعطش ، وكثيراً ما يغيب هذا المعنى ويكون تذكّره مكلفاً على أصحابه وهم يذوقون ذات الجوع وذات العطش ، وهذا هو لحافها هنا وتراه لحاف يحتاج إلى جهاد وتعب وتذكّر في كل وقت حتى ينسلخ من على الجسد فتكون الفرصة في لحظته عارية ويحين وقت اللقاء .. وتأتيك في ذات الثوب في قول نبيك صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان إيماناً واحتساباً " وثوب هذه الفرصة أن تقوم مع الإمام كل ليلة من حين ما يبدأ إلى أن ينصرف ، وفوات شيء من صلاة الإمام محفوف بفوات الفرصة كلها لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " ومحصلة قيام هذه الليالي كلها هي الفرصة التي أخبر بها نبيك صلى الله عليه وسلم .
لو لم أتعلم من رمضان سوى هذا المفهوم لكان كبير المعالم في حياتي ، عظيم الآثار فيها ، فكيف إذا قلت لك هو أول ما تعلمت ، وفي حياتي غير ذلك ستأتيك تباعاً بإذن الله تعالى .