قصة سوة الكهــــــــف,,,,,,,
في
زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها
عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من
غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة،
ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.
في
هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت
عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا
بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.
لم
يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل
في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم
بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة
بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية
فاسدة، وأهلها ضالون.
عزم الفتية على الخروج من
القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم ***هم من
المدينة الواسة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا
موحشا. زهدوا في الأسرّية الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا
مظلما.
إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه.
فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار
الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا
طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا
من قريتهم التي خرجوا منها.
استلقى الفتية في
الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام
الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين
كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا
يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس
بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
بعد
هذه المئين الثلاث، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل،
لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل
بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم.
لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم
استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.
فأخرجوا النقود
التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري
طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما
يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم
بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.
خرج الرجل
المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن
والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة.
وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن
صبعا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.
لقد
آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل
صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه
القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا.
فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.
وبعد أن
ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة
الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ
الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية.
فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت
الفئة الثانية.
لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة
بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم
من من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة
من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة
سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم ***هم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز
وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله.
فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة
أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من
عاصرهم قدرة على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا
بعد جيل.
تحياتي للجميع
<blockquote class="postcontent restore ">
.::: قصة بقرة بني إسرائيل :::.
موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 67-73.
القصة
مكث موسى في قومه يدعوهم إلى
الله. ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، وتبدو
لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة. فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه
المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت. وأصل قصة
البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا
قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن
يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة
تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم
ويتخذهم هزوا، واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم
أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.
إن الأمر هنا أمر معجزة، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، أو المعتاد
بين الناس. ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة
الغامضة التي وقعت، لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني
إسرائيل؟ إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم، وليس استمرارها
في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثير الدهشة.
لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل. مجرد التعامل معهم عنت. تستوي في ذلك
الأمور الدنيوية المعتادة، وشؤون العقيدة المهمة. لا بد أن يعاني من يتصدى
لأمر من أمور بني إسرائيل. وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه
بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، ويعاود أمره أن يذبحوا
بقرة، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور، تعود اللجاجة
والالتواء، فيتساءلون: أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الثقافة من الحيوان؟
أم أنها خلق تفرد بمزية، فليدع موسى ربه ليبين ما هي. ويدعو موسى ربه
فيزداد التشديد عليهم، وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها بقرة وسط. ليست
بقرة مسنة، وليست بقرة فتية. بقرة متوسطة.
إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر، غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة،
ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات. ما هو لون
البقرة؟ لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة؟ لا يراعون مقتضيات
الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم، وكيف أنهم ينبغي
أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع بسيط لا يستحق كل
هذه اللجاجة والمراوغة. ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة.
فيقول أنها بقرة صفراء، فاقع لونها تسر الناظرين.
وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة
والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى
أن يدعو الله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة
ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة
الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات
الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها.
وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته.
سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث)
ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم،
استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال
بسبب لجاجتهم وتعنتهم.
نود أن نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل
السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها
موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا:
(ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون
ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى
الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده
لقولهم: (الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم
وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها
وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم
بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة.
ساعتها قالوا له: "الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ". كأنه كان يلعب قبلها معهم،
ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة. ثم انظر إلى ظلال السياق
وما تشي به من ظلمهم: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) ألا توحي
لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق؟ هذه اللوحة
الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة
المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى
</blockquote>
[center]قصة هاروت وماروت
قصة هاروت وماروت) •·.·´¯`·.· •
لما أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض
قالت الملائكة أي ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون البقرة 30
قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم
قال الله تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض
فتنظروا كيف يعملان
قالوا ربنا هاروت وماروت
فأهبطا إلى الأرض
ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر
فجاءتهما فسألاها نفسها قالت لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك
فقالا لا والله لا نشرك بالله شيئا أبدا
فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله
فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا لا والله لا نقتله أبدا
فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله
فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا حتى سكرا
فوقعا عليها وقتلا الصبي
فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه إلا فعلتماه حين سكرتما
فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا
فلما أن أفاقا جاءهما جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل
وهما يبكيان فبكى معهما
وقال لهما ما هذه البلية التي أجحف بكما بلاؤها وشقاؤها
فبكيا إليه فقال لهما إن ربكما يخيركما بين عذاب الدنيا
وأن تكونا عنده في الآخرة في مشيئته
إن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما وإن شئتما عذاب الآخرة
فعلما أن الدنيا منقطعة وأن الآخرة دائمة
وأن الله بعباده رؤوف رحيم
فاختارا عذاب الدنيا وأن يكونا في المشيئة عند الله
قال فهما ببابل فارس معلقين بين جبلين في غار تحت الأرض
يعذبان كل يوم طرفي النهار إلى الصيحة
ولما رأت ذلك الملائكة خفقت بأجنحتها في البيت
ثم قالوا اللهم اغفر لولد آدم
عجبا كيف يعبدون الله ويطيعونه على ما لهم من الشهوات واللذات
فاستغفرت الملائكة بعد ذلك لولد آدم
فذلك قوله سبحانه (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض )الشورى 5
قصة
عزير عليه السلام
المشهور أن عزيراً من أنبياء بني إسرائيل وأنه كان فيما بين داود
وسليمان وبين زكريا ويحيى، وأنه لما لم يبقى في بني إسرائيل من
يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل
أَوْ
كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا
فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ
لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل
لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ
يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً
لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ
نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ
اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ذكر الطبرانى و السيوطى و ابن كثير أن هذه الآية المقصود بها عزير
و
فى تفسيرها أن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما، خرج ذات يوم إلى ضيعة
له يتعاهدها، فلما انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة أصابه
الحر، فدخل الخربة وهو على حمار له،
فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب، فنزل في ظل تلك
الخربة، وأخرج قصعة معه، فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة،
ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل
ليأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط، فنظر سقف تلك
البيوت ورأى منها ما فيها وهي قائمة على عرشها وقد باد أهلها، ورأى
عظاما بالية
فقال:
{أنى يحيي هذه الله بعد موتها!}
فلم
يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا. فبعث الله ملك الموت فقبض
روحه، فأماته الله مائة عام، فلما أتت عليه مائة عام وكان فيما بين
ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث، فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق
قلبه ليعقل به، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى، ثم
ركب خلقه وهو ينظر، ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد، ثم نفخ فيه
الروح كل ذلك يرى ويعقل، فاستوى جالسا
فقال له الملك:
كم لبثت؟
قال:
لبثت يوما وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة، وبعث في
آخر النهار والشمس لم تغب. فقال: أو بعض يوم، ولم يتم لي يوم.
فقال له الملك:
بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز
اليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة، فإذا هما على
حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس، فذلك قوله
{لم يتسنه} يعني لم يتغير، وكذلك
التين والعنب غض لم يتغير عن حاله، فكأنه أنكر في قلبه.
فقال له الملك:
أنكرت ما قلت لك انظر إلى حمارك. فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه
وصارت نخرة،
فنادى الملك
عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر
إليه، ثم ألبسها العروق والعصب، ثم كساها اللحم، ثم أنبت عليها
الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك، فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه
إلى السماء ناهقا،
فذلك قوله {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية
للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما}
يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها، حتى إذا
صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها لحما
{فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل
شيء قدير} من احياء الموتى وغيره.
قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس، وأنكر الناس، وأنكر
منازله، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء
مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم، فخرج عنهم عزير
وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته
فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير؟
قالت: نعم، وبكت وقالت: ما
رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس.
قال: فإني أنا عزير.
قالت:
سبحان الله! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر.
قال:
فإني أنا عزير، كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني.
قالت:
فإن عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة، يدعو للمريض ولصاحب البلاء
بالعافية والشفاء فادع الله أن يرد علي بصري حتى أراك، فإن كنت
عزيرا عرفتك. فدعا ربه ومسح يده على عينيهما؟؟ فصحتا، وأخذ بيدها
فقال: قومي بإذن الله، فأطلق
الله رجلها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت
فقالت: أشهد أنك عزير.
{وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}
و
جاء عزير الى بنى اسرائيل
فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة وقد حرق
بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا.
فكتب عزير لبني إسرائيل التوراة من حفظه،
فقال بني إسرائيل: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب
وأن عزيراً قد جاءنا بها من غير كتاب. فقالت طوائف منهم عزير ابن
الله.
و الله اعلمالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الملك
النمرود ، ذلك الملك العظيم الذي له ملك الدنيا كلها ، ومع ذلك كان كافرا
بالله ... وكما يقول العلماء فقد كان هناك 4 ملوك ملكوا الدنيا كلها ، وهما
مؤمنان وكافران .. فأما لمؤمنان فهما ذو القرنين وسليمان ، واما الكافران
فهما النمرود وبختنصر...
النمرود هو النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح عليه السلام ... وكان ملك بابل ....
وقد استمر ملكه 400 سنه ، يحكم شعبه بالحديد والنار ، وكان يعبد الاصنام ثم جعل نفسه اله
وطلب من شعبه بان يعبدوه...
رأي في المنام يوما ، كوكبا ظهر في السماء ، فغطي ضوء الشمس ، فسأل حكماء قومه ،
فأخبروه بان ولدا سوف يولد هذه السنه ويقضي علي ملكك... فأمر بقتل جميع الاولاد الذين
يولدون هذه السنه ... وفي تلك السنه ولد سيدنا ابراهيم ظن فخافت عليه امه فخبأته في سرداب
وكان الله يرعاه فلما كبر اكثر من الاخرين ، حتي اذا بلغ عمره سنه واحده ، يحسب الناس ان
عمره 3سنوات .. وبذلك استطاعت امه اخراجه من السرداب ولم يتعرض له الملك.....
وعندما
اصبح سيدنا ابراهيم شابا بدأ بمناقشة اهله وقومه يدعوهم لعبادة الله ،
وترك عباده النمرود ... وفي احد الايام وبينما كان قومه يحتفلون خارج
المدينه ذهب سيدنا ابراهيم لاصنامهم وكسرها كلها الا كبيرهم وعندما رجعوا
من حفلتهم وجدوا اصنامهم مهدمة فسألوه
فقال لهم انه كبيرهم الذي كسر الاصنام الاخري لانه يغار منهم
فأخذوه للنمرود فبدأ سيدنا ابراهيم يناقشه بقدرة الله وقال له ربي الذي يحي ويميت وبين له
الاثباتات علي ذلك ، وعندما فشل النمرود في اقناع سيدنا ابراهيم امر جنوده بعمل برجا عاليا
ليصل الي رب ابراهيم ليراه ، ثم امر بعمل نار كبيرة ، والقي فيها سيدنا
ابراهيم ، ولكن الله جعلها باردة علي سيدنا ابراهيم ، فلم تؤذيه ... ثم دعا
سيدنا ابراهيم النمرود مرة اخري ليؤمن بالله ولكنه تكبر وعصي وكفر بالله
... فأرسل الله عليه وعلي جنوده جيشا من البعوض ، هجم
علي الجنود فمص دمهم واكل لحمهم وشحمهم وابقي عظامهم فقط...فهلكوا جميعا ،
وارسل الله بعوضة فدخلت في انف النمرود ، ثم انتقلت لراسه فالمته , فكان
يطلب من الناس ان يضربوه بالنعال علي راسه ليخف الم راسه ... وعذبه الله
400 سنه ، مثل عدد سنوات حكمه حتي مات
من كثرة الضرب بالنعال .. فمات ذليلا بعد ان كان عزيزا...
سبحان
الله كيف اعطاه الله الخير والنعم الكثيره وبدلا من الشكر كفر به واعتقد
بانه اكبر واقوي من الله ، فانتقم الله منه وعذبه .. وهكذا تكون نهاية
الظالم مهما كانت قوته ...
قصة طالوت و جالوت
موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 246-251.
قال تعالى :
(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ
مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ
أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا
كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ
اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ
الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ
سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ
بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ
آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ
تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً
بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ
هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ
بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو
اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ
اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ
وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ
أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ
اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ
وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) ))
القصة:
ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما.. سألوه: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى..
قالوا: ألسنا مشردين؟
قال: بلى..
قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.
قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟
قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
قالوا: ما هي آية ملكه؟
قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تجمله الملائكة.
ووقعت هذه المعجزة.. وعادت إليهم التوراة يوما.. ثم تجهز جيش طالوت، وسار
الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا
في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط
فليبق معي في الجيش..
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا
الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة
ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة
وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان.
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو كبيرا وقويا.. فشعر بعض
-هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش
الجبار..؟!
قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند
الله.. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ
اللّهِ).. فثبّتوهم.
وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحدا يبارزه.. وخاف منه
جنود طالوت جميعا.. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود.. كان
داود مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا
الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.
وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي..
ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء.. كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت
رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله.. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..
وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. تقدم
جالوت المدجج بالسلاح والدروع.. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، ووضع
داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت
فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.
بعد فترة أصبح داود -عليه السلم- ملكا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه
النبوة والملك مرة أخرى. وتأتي بعض الروايات لتخبرنا بأن طالوت بعد أن
اشتهر نجم داوود أكلت الغيرة قلبه، وحاول قتله، وتستمر الروايات في نسج مثل
هذه الأمور. لكننا لا نود الخوض فيها فليس لدينا دليل قوي عليها
قصة اصحاب السبت
موقع القصة في القران الكريم
ورد ذكرها في سورة البقرة كما وردت تفصيلا في سورة الاعراف163_166
القصه:
ابطالها جماعة من اليهود _مكانها في قريه ساحلية _اسمها اختلف المفسرون في اسمها
كما لم يذكر اسمها في القران وانما اكتفي بعرض القصه للعبره
احداث القصه:
اهل هذه القريه من اليهود يعملون بالصيد كانوا يعملون طوال الاسبوع ماعدا يوم السبت
حيث امرهم الله عز وجل بان يتفرغوا في هذا اليوم للعباده والتقرب الي الله
فكانوا يعملون طوال الاسبوع ما عدا يوم السبت فهو لعبادة الله سبحانه وتعالي
فأ راد الله ان يختبر مدي قوة ايمانهم له فجاء الاختبار الذي يبين مدي صبرهم
واتباعهم لشرع الله سبحانه ونعالي وذلك بان ابتلاهم بان تأتي الحيتان يوم السبت علي الساحل
حيث تترءاي لهم بسهوله علي الشط حيث يسهل صيدهاولا تأتي لهم بقية الاسبوع فما كان
الا ان انهارت عزائم فرق منهم فكانوا يحتالون في الصيد حيث يقومون بالحفر والحواجز في السبت
ليحوطوا الحيتان ثم يقومون بالصيد يوم الاحد وبذلك انقسم اهل القريه الي ثلاث فرق
فرقه عاصيه تحتال في الصيد وفرقه مؤمنه تأمر بالمعروف وفرقه بين وبين
اما المؤمنين منهم فكانوا يأمرون بالمعروف واتباع الحق من ارضاء الله وتنهي عن المنكر
ولكن كلماتهم لم تجد نفعا مع العاصيين حيث استكبروا وكابروا ومدوا في طغيانهم
فما كان الا ان اتي الوعد الحق فجاء عذاب الله عليهم عذابا شديدا
فقد مسخهم الله عز وجل الي قردة خاسيئين عقابا لهم علي معصيتهم
وتحكي بعض الروايات ان المؤمنين منهم كانوا في مجالسهم ولفت نظرهم ان العاصيين لم يخرجوا لصيد
فذهبوا ليروهم فاذا بيهم قردة_فعرفت القردة انسابهم من الانس ولكن لم يعرفهم الانس فما كان من القرده
الا انا تأتي نسيبها من الانس وتشم ثيابه وتبكي ,فيقول :الم ننهكم عن معصية الله فتقول القردة بهز
راسها :نعم وتبكي
فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
نسألكم صالح الدعاء
الثلاثة الذين خلفوا
قصة الثلاثة الذين خلفوا من أروع القصص و
أكثرها تأثيرا في النفس مع أن السيرة النبوية الشريفة مليئة بالقصص المؤثرة
التي تحرك الوجدان. هذه القصة قد أشار إليها القرآن الكريم في سورة التوبة
في الآيات 118 - 119. و قد روى لنا تفاصيل القصة الصحابي كعب بن مالك رضى
الله عنه و هو أحد هؤلاء الثلاثة , و القصة مذكورة في كتب السيرة و قد ذكر
جانب منها في تفسير ابن كثير.
القصة بدأت عندما أمر
رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين بالاستعداد للمشاركة في غزوة
تبوك, و قد أوجب عليهم المشاركة في هذه الغزوة إلا أهل الأعذار كالمرضى و
الضعفاء و الفقراء الذين لم يستطع المسلمون تجهيزهم للمعركة. و
كعادتهم سارع الصحابة بالاستعداد تلبية لأمر رسول الله صلى الله عليه و
سلم.
كان الوقت المقرر لغزوة تبوك غير مناسب لكثير من
الصحابة, فقد كان الحر شديدا و لم يكن أهل المدينة يقدمون على أسفار طويلة و
شاقة في مثل هذه الأجواء. المسافة من المدينة المنورة إلى تبوك تفوق
الخمسمائة كيلومتر, فهي رحلة أيام طويلة على الأقدام و البعير. و زيادة على
هذا كله, فقد كان هذا هو موسم حصاد الثمار بالنسبة لكثير من الصحابة الذين
كانوا يمتلكون البساتين, فكان السفر في هذا الوقت بالتحديد يترتب
عليه خسائر مادية فادحة.
و لكن مع كل هذه الصعوبات لم يتردد الصحابة في تلبية
أمر النبي صلى الله عليه و سلم. أعد الصحابة أمتعتهم و تجهزوا للسفر مع
رسول الله صلى الله عليه و سلم دون شكوى. و قد ذكر القرآن الكريم قوة إيمان
هؤلاء الصحابة عندما وصف لنا حال الفقراء الذين لم يستطع المسلمون تجهيزهم
للغزوة فقال سبحانه و تعالى: "ليس على الضعفاء و لا على المرضى و لا على
الذين لا يجدون ما ينفقوا حرج إذا نصحوا لله و رسوله ما على المحسنين سبيل و
الله غفور رحيم و لا على الذين إذا أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم
عليه تولو و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون (التوبة 91 -
92).
أما المنافقون فكرهوا الخروج خوفا على أموالهم و
أنفسهم و فضلوا البقاء في بيوتهم لتجنب الحر و المشقة, و رأوا أنه من غير
المعقول الذهاب في غزوة شاقة و صعبة في مثل هذا الوقت, فأضلتهم عقولهم و
اتبعوا أهواءهم فذهبوا إلى النبي يخترعون الأسباب و الأعذار و يكذبون على
رسول الله صلى الله عليه و سلم. حتى أنهم قالوا للناس لا تنفروا في الحر,
فأجابهم الله تعالى في القرآن الكريم: "قالوا لا تنفروا في الحر, قل نار
جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا جزاء بما
كانوا يكسبون" (التوبة 81 - 82).
و لا بد لنا من الوقوف هنا و النظر قليلا في عقلية
المنافقين و طريقة تفكيرهم. فكثير منا اليوم عندما يقال لنا أن نطيع الله و
الرسول صلى الله عليه و سلم في أمر ما نتفنن في اختراع الأعذار و الأسباب
لنبرر لأنفسنا و للناس عدم امتثالنا لأوامر الله سبحانه و تعالى و رسوله
صلى الله عليه و سلم. حتى أن بعض الأعذار التي نسمعها اليوم مطابقة
لما قاله المنافقون في غزوة تبوك. فبعض أخواتنا العزيزات اللواتي لا يلتزمن
بالحجاب عندما يسألن عن ذلك تكون الإجابة أحيانا أن الحر شديد في الصيف
فالالتزام بالحجاب صعب و شاق! و أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها! و بعض
الإخوة الأعزاء عندما تسألهم عن عدم التزامهم بصلاة الجمعة يبرر ذلك بالعمل
و بالخوف من المدير أو المشرف! و لا يكاد أحد منا في هذه الأيام لا يقع في
مثل هذه المواقف من تبرير أفعالنا بأي طريقة تهربا من الالتزام بالأوامر
الشرعية التي تشق علينا. و في هذا خطر كبير على إيماننا لأن هذا من اتباع
الهوى, فهدانا الله و وفقنا إلى الالتزام بالشرع حتى و لو لم يوافق أهواءنا
و حتى لو لم تفهم الحكمة من وراء أحكامه عقولنا.
و لا بد لنا أن نتساءل كم من الآيات كانت لتنزل فينا و
في أعذارنا هذه إذا كان القرآن لا يزال ينزل؟ فعلينا الحذر من هذا و
مجاهدة أنفسنا على الالتزام بالأوامر الشرعية و لو كانت شاقة علينا و تسبب
لنا التعب و الخسائر المادية. هذه كلها فتن و اختبارات نتعرض إليها و سوف
نسأل عنها يوم القيامة.
و فعلا كانت غزوة تبوك اختبار لإيمان الصحابة و نجح في
هذا الاختبار كل من امتثل أمر النبي, فعندما وصل المسلمون إلى تبوك, تبين
لهم أن جش العدو الذي كانوا يتوقعون لقاءه قد انسحب عندما علم بقدوم
المسلمين. فلم يحصل قتال و كانت المعركة في غزوة تبوك هي معركة ضد الأهواء و
ضد وساوس الشيطان. و لكن الرحلة كانت شاقة و أصاب المسلمون فيها من الجوع و
شدة الحر ما شق عليهم. و لكنهم نجحوا في الاختبار و أثبتوا إيمانهم و حبهم
لله و رسوله صلى الله عليه و سلم. و أما المنافقين فقد خسروا خسرانا مبينا
بين الفضيحة في الدنيا و العقاب في الآخرة.
عندما عاد المسلمون إلى المدينة توجه رسول الله صلى
الله عليه و سلم إلى المسجد كما كانت عادته بعد العودة من السفر لصلاة
ركعتين, فجاءه المنافقون الذين تخلفوا عن الغزوة يعتذرون إليه و يقدمون
الأعذار المكذوبة حتى يعفو عنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم. و كان عليه
الصلاة و السلام يقبل منهم الأعذار و يستغفر لهم, و لكن الله سبحانه و
تعالى فضحهم و كشف كذبهم في القرآن الكريم في سورة التوبة الآيات 90 – 96.
أما هؤلاء الثلاثة الذين خلفوا فلم يكونوا كالمنافقين,
بل كانوا مؤمنين صادقين و لكنهم وقعوا في المعصية. و كان من هؤلاء الثلاثة
كعب بن مالك رضي الله عنه و قد حكى لنا قصته و قد وردت في الصحيحين. فكان
مما قاله كعب ابن مالك: "كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين
تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما
في تلك الغزوة". و قال أيضا: "وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك
الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقضى شيئا فأقول في
نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول صلى
الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم
أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت
ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل
فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول
الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصاً
عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ( ما فعل كعب
)؟ . فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه . فقال
معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه الإ خيراً . فسكت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ."
و من هذا نرى أن كعب بن مالك كان يريد الخروج مع
المسلمين و قد نوى ذلك و لكنه ظل يأخر الخروج فوقع في معصية رسول الله صلى
الله عليه و سلم. و لذلك فعلينا أن نسارع إلى الامتثال بالشرع و لا نتأخر
في ذلك حتى لا تسول لنا أنفسنا أو أهواءنا فنضل عن الصراط المستقيم. هذا و
مع أن المشقة كانت نفسها على جميع الصحابة و لم يكن أحد منهم يحب الخروج في
شدة الحر و في هذا الوقت و لكنهم جاهدوا أنفسهم على طاعة رسول الله صلى
الله عليه و سلم و عدم التردد في ذلك, فلنا فيهم أسوة حسنة.
ثم يكمل كعب بن مالك القصة و يحكى عما كان منه عندما
علم بعودة المسلمين من تبوك: "فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت
أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من
أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني
الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول
الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه
ركعتين ثم جلس للناس قلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه
ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت
عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال ( تعال ) . فجئت أمشي حتى جلست يديه فقال لي (
ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك )؟. فقلت بلى إني والله - يا رسول الله -
لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت
جدلاً ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن
الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله
لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت
عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي
الله فيك )."
و لا بد لنا من الوقوف هنا لنتأمل صدق هذا الصحابي
الجليل رضي الله عنه, فمع أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يستغفر
للمنافقين و المخلفين الذين قدموا الأعذار, إلا أنه لم يستطع أن يكذب على
رسول الله صلى الله عليه و سلم و علم أنه حتى لو صدقه رسول الله فإن الله
سبحانه و تعالى يعلم ما في صدره. فعلم أنه لن يستطيع أن يصحح ذنبه الأول
بارتكاب ذنب آخر و علم أنه لا بد له من تحمل مسؤولية ذنبه و الاعتراف بخطأه
و علم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه!
و قد حكى أيضا كعب بن مالك عما حصل بعد هذا الموقف
فقال: "فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت
أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله
صلى الله عليه وسلم لك . فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب
نفسي ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت
فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما ؟ قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال
بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت
حين ذكروهما لي" فحتى بعد إلحاح الناس عليه رفض كعب بن مالك أن يكذب و علم
أن الكذب لا ينبغي أن يكون من المسلم.
ثم حكى عن مقاطعة الناس له فقال: "ونهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه
فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف
فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان
وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف
في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه
وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟
ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا
التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت
جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد
علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟
فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت
عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار."
فتخيل أخي المسلم هذا الموقف و هذه الشدة. لا أحد يرد
السلام و لا حتى ينظرون في وجهه, و مع هذا لم يغير هذا ما في قلبه من حب
لله و رسوله و للإسلام و المسلمين. فيا ليتنا نتبع أخلاق هذا الرجل. فكم من
المسلمين اليوم إذا لقي ما يكره من أخيه المسلم, فبدلا من أن يعفو و يصفح,
تجده يفجر في المخاصمة. و هذا من علامات المنافق أنه إذا خاصم فجر. فلا بد
بنا من العمل على المحافظة في علاقاتنا الأخوية و على عقيدة الولاء و
البراء حتى مع من قد يظلمنا أو قد نرى منه ما لا نحب. و إن كعب بن مالك ضرب
لنا مثلا في الولاء و البراء لا بد لنا من الاقتداء به, فقد حكى لنا عن
محاولات أعداء الإسلام بتجنيده ضد المسلمين.
يقول كعب بن مالك: "فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا
نبطي من أنباط أهل الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على
كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان
فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار
هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك . فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء
فتيممت بها التنور فسجرته بها"
فانظر إلى قوة الإيمان و الصلابة و عدم الميل إلى
المصالح الشخصية الدنيوية. و من المحزن جدا و المخجل أننا نرى بعض الجماعات
الإسلامية تختلف مع بعضها البعض, فترى منهم من يستعين بالأجنبي الكافر على
أخوه المسلم, مما يناقض عقيدة الولاء و البراء و يناقض حتى العقل السليم.
فلا يمكن لإنسان سوي أن يتخيل أن الأجنبي سيأتي لمساعدة فريق من المسلمين
ضد فريق آخر دون أي أهداف و مصالح ذاتية يريد أن يحققها على حساب المسلمين.
و قد تكرر حدوث هذا مرارا مع المسلمين حتى أصبح الطفل الصغير يفهم اللعبة,
و لكن للأسف لا تزال المصالح الدنيوية و الأموال و العصبية المذهبية و
القبلية تدفع بعض المسلمين إلى الوقوع في مثل هذا, و الله المستعان.
ثم يحكي كعب بن مالك اشتداد المقاطعة بأمر النبي صلى
الله عليه و سلم الثلاثة أن يعتزلوا نساءهم: "حتى إذا مضت أربعون ليلة من
الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال
لا بل اعتزلها ولا تقربها . وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي
بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب فجاءت امرأة هلال
بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية
شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه ؟ قال ( لا ولكن لا يقربك ) . قالت
إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان
إلى يومه هذا . فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أميه أن تخدمه ؟ فقلت والله لا أستأذن
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ؟ فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى
كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا".
ثم تاب الله على كعب و على صاحبيه, فيقول كعب بن مالك:
"فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا
أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما
رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال
فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة
الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون
وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من
الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه
والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهونني بالتوبة يقولون لتهنك
توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم جالس حوله الناس فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني
والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما
سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يبرق وجهه من السرور ( أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ) . قال
قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال ( لا بل من عند الله ) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر
وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن
أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ) . قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر."
و هنا درس هام جدا لا بد لنا أن نتعلمه. فقد كانت
المعصية التي ارتكبها هؤلاء الثلاثة معصية مباشرة لرسول الله صلى الله عليه
و سلم و متعلقة بالتخلف عن المعركة, فلا بد أنها معصية كبيرة, و لكن انظر
إلى كيف استقبل المسلمون نبأ توبة الله سبحانه و تعالى عليهم! تسابق
المسلمون لتبشيرهم بالخبر و لتهنئتهم و مصافحتهم. انظر إلى المحبة و الأخوة
و خلو الصدور من الغل و الضغينة! سبحان الله الذي ألف بين قلوبهم, اللهم
ألف بين قلوب المسلمين اليوم كما ألفت بين قلوب الصحابة! فهذه أخلاق
الصحابة التي لا بد لنا أن نتأسى بها. فلا نتذكر دائما أخطاء الناس, و لا
نقول دائما للمذنب هذا الذي فعل كذا و كذا, بل لا بد لنا من أن نفرح فرحا
شديدا بكل تائب إلى الله مهما كانت ذنوبه من قبل!
و من أجمل ما يقول كعب بن مالك من قصته هو الدرس الذي
تعلمه من هذا البلاء و هذه المحنة التي مر بها. فيقول: "فقلت يا رسول الله
إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا مالقيت .
فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم